للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه القاعدة الأخيرة تشير إلى أن الشارع الحكيم لم يكتفِ بأن يعلم المكلف بأن في فعله للمأمور مصلحة له وفي اقترافه للمنهيات مفسدة تلحقه، وإنما ربط المصلحة بالطاعة؛ لتكون الطاعة حافزة على القيام بالفعل الصالح، وربط المفسدة بالمعصية؛ لتكون رادعة للمكلف عن اقتراف ذلك الفعل (١).

وقد قال العز ابن عبد السلام -رحمه الله-: "على رتب المصالح تترتب الفضائل في الدنيا والأجور في العقبى، وعلى رتب المفاسد تترتب الصغائر والكبائر وعقوبات الدنيا والآخرة" (٢).

كما تشير هذه القاعدة إلى أن المصلحة والمفسدة يرجع تقديرها والحكم عليها إلى الشارع الحكيم سبحانه، وليس إلى محض العقول أو مجرد الأهواء.

فالمراد بالمصلحة ما يعتد بها شرعًا ويرتب عليها مقتضياتها (٣) وعليه فقد ساق الشاطبي قاعدة بمثابة القيد للقاعدة التي معنا، وهي: "وضع الشريعة إذا سلم أنها لمصالح العباد، فهي عائدة عليهم بحسب أمر الشارع، وعلى الحد الذي حدَّه، لا على مقتضى أهوائهم وشهواتهم" (٤).

وليس في تقرير المصالح بالمنقول إزراء بالمعقول، فالعقل يدرك المصلحة والمفسدة، ولكنه ليس بشارع ولا حاكم، فهو مدرك للأحكام، وليس منشئًا لها، و"إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكون متبوعًا، ويتأخر العقل فيكون تابعًا، فلا يسرح العقل في مجال النظر إلا بقدر ما يسرحه النقل " (٥).

وعليه فإن إدراك العقل للمصالح معتبر على أنه تابع لا متَّبَع، وانفلات العقل من


(١) قواعد المقاصد عند الشاطبي، د. عبد الرحمن الكيلاني، (ص ١٣٧).
(٢) قواعد الأحكام، للعز ابن عبد السلام، (١/ ٤١ - ٤٢).
(٣) المرجع السابق، (٢/ ٣٧).
(٤) المرجع السابق، (٢/ ١٧٢).
(٥) المرجع السابق، (١/ ٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>