"والمصالح المجتلبة شرعًا والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى، لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية، أو درء مفاسدها العادية"(١).
إن قاعدة وضع الشريعة لحفظ مقاصدها في الخلق بإقامة مصالح العباد في العاجل والآجل تدل بجلاء على أن الشريعة ما وضعت إلا لسعادة المكلف في الدنيا والآخرة.
والتكاليف الشرعية وإن وجد فيها ما لا ينفك عنها غالبًا من المشقات إلا أنها مشقات محمودة العاقبة في الأولى والآخرة.
والله -تبارك وتعالى- خلق العبد ليعبده، وبالألوهية يُفرده، دلَّ على ذلك قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦]، فكانت العبادة غاية وعلة لوجود الخلق.
ثم إنه -تعالى شأنه- جعل العبادة لحكمة جليلة ومقصد سامٍ، ألا وهو تحصيل التقوى، وإنما تراد الأعمال لما يقوم بالقلب من أحوال، دل على ذلك قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: ٢١]، وقال سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: ١٨٣]، وقال جل وعلا:{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}[الحج: ٣٧].
ثم إن التقوى تعود عائدتها، وترجع فائدتها إلى المكلف وحده، فيسعد في الدنيا ولا يشقى، ويهنأ في الآخرة ويرضى.