للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقاعدة مترتبة على مجموعة القواعد المتعلقة بالتعارض بين المصالح والمفاسد؛ وذلك لأن فعل المكلف قد يكون مشروعًا لمصلحة فيه تُسْتَجْلَبُ، أو مفسدة تُدرأ، ولكن بالنظر إلى مآله قد نجده على خلاف ما قُصِدَ فيه، فإذا أُطْلِقَ القول فيه بالمشروعية فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي استجلاب المصلحة، أو تزيد عليها، مما قد يمنع إطلاق القول بالمشروعية.

وبالمثل إذا أُطْلِقَ القول في الثاني بعدم المشروعية ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية.

وعليه: فإن إهمال النظر إلى المآلات من حيث إفضاء الأفعال والتصرفات إلى نقيض المقصود الذي شُرِعَتْ له يُرتب أنواعًا من الخلل؛ إذ ربما أدى القول بعدم مشروعية الفعل إلى استدفاع مصلحة تربو على المفسدة التي مُنِعَ الفعلُ من أجلها.

وقد يؤدي القول بإطلاق مشروعية الفعل إلى جلب مفسدة أكبر من المصلحة التي شُرِعَ الفعل من أجلها، وهكذا تكون الآثار المترتبة على إهمال النظر إلى المآل على الضد والنقيض مما قصده الشارع وأراده، ونقيض مقصد الشارع باطل، فما يؤدي إليه مثله.

وبناءً على ذلك فإن المجتهد الناظر في هذه المسائل -لا سيما المستجدة والنازلة- عليه أن يراعي مآلات الأفعال، ونتائجها بما يتفق مع مقصد الشارع من تشريع تلك الأفعال والتصرفات، فإذا كان الفعل في مآله لا يتفق مع مقصد الشارع منعه المجتهد ابتداءً قبل وقوعه؛ لأن "الدفع أسهل من الرفع" (١).

وهذه القاعدة تتطلب من المجتهد أن يكون دقيقَ النظر عميقَ البحث، وقد علَّق الشاطبي على أهمية الدربة على هذا المعنى، فقال: "وهو مجال للمجتهد صعبُ المورد،


(١) الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص ١٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>