للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المآل، أم لم يقصده، إمعانًا في سدِّ أبواب الممنوعات.

أما بالنسبة لقاعدة منع الحيل: فيظهر وجه صلتها بمبدأ النظر إلى المآل بالنظر إلى حقيقتها؛ إذ هي تقديم عمل ظاهر الجواز لإبطال حكم شرعي، وتحويله في الظاهر إلى حكم آخر (١)، كالواهبِ مالَهُ عند رأس الحولِ فرارًا من الزكاة، فإن الهبة في أصلها مشروعة، ولكنها آلت في هذا الظرف إلى مآلٍ ممنوع، وهو التهرب من الزكاة، فاعتبرت في حكم العدم، وعُومل الواهبُ بنقيض مقصوده (٢).

وأما قاعدة الاستحسان: فقد سبقت الإشارة إليها، وإظهار ما بينها وبين مبدأ رفع الحرج من علاقة وصلة، أما صلتها بمبدأ النظر إلى المآل فيبدو باستحضار وجه الصلة بينها وبين مبدأ رفع الحرج؛ ذلك أن القول باطراد الحكم الأصلي المقتضي الحظرَ قد يؤول إلى الإيقاع في الحرج والمشقة، وتفويتِ حاجةٍ أساسيةٍ للعامةِ، فالالتفات إلى ذلك المآلِ اقتضى العدولَ بالمسألة من حكمِ نظائرِهَا إلى ما هو مخالفٌ، وهذا ما أشار إليه الشاطبي بقوله: "فيكون إجراء القياس مطلقًا في الضروري يؤدي إلى حرج ومشقة في بعض موارده، فَيُستثنَى موضعُ الحرج". (٣)

وقد قرر الشاطبي أن قاعدة الاستحسان عند مالك ترجع إلى نظرية اعتبار المآل، (٤) فجعل الاستحسانَ مبنيًّا على قاعدة المآل، لا على مجرد التشهي والتشريع بحسب الهوى.

وأما قاعدة مراعاة الخلاف: فتتجلى صلتها بالوقوف على المقصود بهذه القاعدة؛ إذ


(١) الموافقات، للشاطبي، (٤/ ٢٠١)، وخرج بذلك الحيل المشروعة التي تكلم عنها العلماء، كأن يقصد بها دفع الباطل، أو أخْذ الحق، أو منْع إصابته بمكروه، ينظر: الفتاوي الكبرى، لابن تيمية، (٦/ ١٠٩).
(٢) الشرح الصغير على أقرب المسالك وبهامشه حاشية الشيخ أحمد الصاوي، لأبي البركات أحمد بن محمد الدردير، تحقيق: د. مصطفى كمال وصفي، دار المعارف، القاهرة، ١٩٨٦ م، (١/ ٦٠١)، والمغني، لابن قدامة، (٤/ ١٣٦ - ١٣٧).
(٣) الموافقات، للشاطبي، (٤/ ٢٠٦ - ٢٠٧).
(٤) الموافقات، للشاطبي، (٤/ ٢٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>