للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ادعاؤها" (١).

وقد جاء فقهاء المالكية بعد إمامهم فزادوا الأمر وضوحًا وتفصيلًا؛ فأقاموا تفرقة بين عمل أهل المدينة المبني على الاجتهاد، وبين العمل المبني على النقل (٢)؛ فالثاني حجة دون الأول على رأي طائفة من المالكية (٣).

وقد وجد في مذاهب أخرى ما يدل على مراعاة الترجيح بالعمل دون ذكر قطر بعينه؛ فالإمام أحمد -رحمه الله- قال: "شر الحديث الغرائب التي لا يعمل بها ولا يعتمد عليها" (٤). وهو يدل على اعتبار العمل عنده.

كذا نقل عنه عمل بحديث ضعيف لكون العمل عليه، وهو حديث "العرب أكفاء إلا حائكًا أو حجامًا" (٥)؛ فقيل له: كيف تأخذ به وأنت تضعفه؟

قال: العمل عليه.

قال الموفق: أي: أنه يوافق أهل العرف (٦).

وكذلك يرجح بالعمل عند الشافعية؛ فقد ذكر ابن الصلاح -رحمه الله- في أحكام المفتي والمستفتي: أن القول القديم إذا قيل فيه إنه جرى به العمل فإن هذا يدل على أن


(١) ترتيب المدارك، للقاضي عياض، طبعة وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمغرب، (١/ ٤٣).
(٢) ترتيب المدارك، للقاضي عياض، (١/ ٤٧ - ٥٣)، إعلام الموقعين، لابن القيم، (٢/ ٣٩٢) وما بعدها.
(٣) وقد فصَّل ابن تيمية في هذه المسألة تفصيلًا مفيدًا في مجموع الفتاوي، (٢٠/ ٢٩٤) وما بعدها.
(٤) طبقات الحنابلة، لأبي يعلى، (٢/ ١٤٠).
(٥) أخرجه: البيهقي في "السنن الكبرى"، كتاب النكاح، باب: اعتبار الصنعة في الكفاءة، (٧/ ١٣٤)، وابن عدي في "الكامل"، (٥/ ٩٥، ٢٠٩) -ومن طريقه وطريق غيره: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي في "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية"، تحقيق: خليل الميس، دار الكتب العلمية، بيروت، ط ١، ١٤٠٣ هـ، (٢/ ٦١٧، ٦١٨)، من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "العرب أكفاء بعضها بعضًا قبيل بقبيل، ورجل برجل، والموالي أكفاء بعضها بعضًا قبيل بقبيل، ورجل برجل، إلا حائك أو حجام"، ورُوي من حديث أم المؤمنين عائشة، ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما-. وضعَّفه البيهقي وابن الجوزي وغيرهما.
(٦) العرف، لعادل قوته، (١/ ١٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>