الأمصار، وبمقدار علو الهمة في تحصيلها تتنور الأفكار.
ويؤكد الشيخ الزرقا على اعتبار مجموعة المذاهب الاجتهادية كمذهب واحد كبير في الشريعة، وكل مذهب منها يعتبر كالقول في المذهب الواحد؛ فيختار العلماء من هذه المذاهب، ويرجحون ما هو أوفى بمصالح الناس وحاجتهم في هذا العصر (١).
"وهنا يلزم الفقيه أو المفتي أو الباحث الشرعي أن يسبح سبحًا طويلًا في آفاق الفقه بمختلف مدارسه ومشاربه، ولا يقف عند الرأي السائد والشائع؛ فكم من آراء رشيدة مخبوءة في بطون الكتب لا يعلمها إلا القليلون، أو لعلها لا تُعْلَمُ إلا بالبحث والتفتيش، وكم من آراء مهجورة تستحق أن تُشهَرَ، وآراء ضعفت في زمنها يجدر بها أن تقوى الآن، وكم من آراء أهيل عليها التراب؛ لأنها لم تجد من ينصرها ويدافع عنها، أو لأنها كانت سابقة لزمنها فلعلها لم تكن صالحة لذلك الزمن، وهي صالحة لزمننا هذا.
ولعل أبرز مثال لذلك: آراء شيخ الإسلام ابن تيمية في الطلاق ونحوه؛ فقد رفضها أكثر أهل عصره، واتهموه من أجلها بتهم شتى، وحاكمه علماء وقته، ودخل السجن أكثر من مرة من أجل آرائه وفتاويه، ثم فاء في الأعصر الأخيرة طوائف من أهل العلم إلى فتاويه فأفتوا بها؛ لأنهم رأوا فيها إنقاذ الأسرة المسلمة من الانهيار بسبب كثرة إيقاع الطلاق، مع حرص الزوجين على بقاء العشرة.
ولو أردت أن أضرب مثلًا لذلك في موضوعنا، لوجدت أمثلة شتى.
ومن ذلك: ما يتعرض له كثير من الذين يهديهم الله للإسلام؛ فيدخلون في دين الله من الرجال والنساء ثم يتوفى آباؤهم أو أمهاتهم، وقد تركوا وراءهم تركات كثيرًا ما تكون كبيرة، فهل يسع المسلم والمسلمة أن يرث هذا المال من أبيه وأمه؟ والقوانين تجعل له الحق في الميراث وهو وأسرته في حاجة إليه، وإخوانه من المسلمين من حوله في حاجة إليه؟