كتاب فقه النوازل للأقليات المسلمة

المطلب الرابع: الاستنباط بالرد إلى الأدلة الشرعية وضوابطه - تاسعا: قول الصحابي - ج: 2 - ص: 762

والأول أرجح، وقد ذكر ابن تيمية أن جمهور العلماء يحتجون به (١).

وعن أحمد -رحمه الله- لا يُخرج عن قول الخلفاء الأربعة.

فقولهم عنده حجة، وليس بإجماع؛ لحديث: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين" (٢)، وحديث: "اقتدوا باللَّذين من بعدي: أبي بكر وعمر" (٣).

وأما إذا تخالفت أقوال الصحابة فإن قول أحدهم ليس بحجة على مثله، وهذا موضع اتفاق (٤)، ومن نقل عنه قبول قول الخلفاء الراشدين أو قول أبي بكر وعمر فإن مراده بالنسبة للمقلِّد لا للمجتهد (٥).

وقد اشتهر الإمام أحمد -رحمه الله- بالاعتداد بفتوى الصحابي وقوله، وقد عُدَّ هذا من أصول فقهه -رحمه الله-.

كما ذكر ذلك ابن القيم -رحمه الله- فقال: "الأصل الثاني من أصول فتاوي الإمام أحمد، ما أفتى به الصحابة؛ فإنه إذا وَجَدَ لبعضهم فتوى لا يعرف له مخالف منهم فيها لم يَعْدُها إلى غيرها، ولم يقل: إن ذلك إجماع، بل من ورعه في العبارة يقول: لا أعلم شيئًا يدفعه، أو نحو هذا، وإذا وجد الإمام أحمد هذا النوع عن الصحابة لم يُقَدِّمْ عليه عملًا ولا رأيًا ولا قياسًا، وإذا اختلف الصحابة تخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن

---

(١) المسودة في أصول الفقه، لآل تيمية، (٣٣٥ - ٣٣٨)، الإحكام، للآمدي، (٤/ ١٥٥ - ١٦١)، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي، (ص ٢٥٦ - ٢٥٧).
(٢) سبق تخريجه.
(٣) أخرجه: الترمذي، كتاب المناقب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب: مناقب أبي بكر وعمر، (٣٦٦٢، ٣٦٦٣)، وابن ماجه، المقدمة، باب: في فضائل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، (٩٧)، من حديث حذيفة -رضي الله عنه-. قال الترمذي: "حديث حسن".
(٤) شرح الكوكب المنير، لابن النجار، (٤/ ٤٢٢).
(٥) مذكرة أصول الفقه، للشنقيطي، (ص ٢٥٧).