للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقوالهم، فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال حكى الخلاف فيه ولم يجزم بقول" (١).

وانتصر ابن القيم لهذا المنهج فقال: "لا يسع المفتي أو الحاكم عند الله أن يفتي ويحكم بقول فلان وفلان من المتأخرين من مقلدي الأئمة ويأخذ برأيه وترجيحه، ويترك الفتوى والحكم بقول البخاري وإسحاق بن راهويه، وعلي بن المديني، بل يرى تقديم قول المتأخرين من أتباع من قلده على فتوى أبي بكر الصديق، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود -رضي الله عنهم-. فلا يُدرى ما عذره غدًا عند الله إذا سوَّى بين أقوال أولئك وفتاويهم، وأقوال هؤلاء وفتاويهم فكيف إذا رجَّحها عليها؟! فكيف إذا عَيَّنَ الأخذ بها حكمًا وإفتاءً، ومنعَ الأخذ بأقوال الصحابة؟!! " (٢).

ولأهمية هذا المسلك يخاطب ابن القيم المفتين بقوله: "أيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر إذا أفتى بفتوى، وأفتى من قلدتموه بغيرها؟ ولا سيما من قال من زعمائكم: إنه يجب تقليد من قلَّده دينًا، ولا يجوز تقليد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، اللهم إنا نشهدك أن أنفسنا لا تطيب بذلك، ونعوذ بك أن نطيب به نفسًا" (٣).

وهو في هذا المسلك يتبع شيخه ابن تيمية -رحمه الله- الذي قال: "وقد تأمَّلت من هذا الباب ما شاء الله فرأيت الصحابةَ أفقهَ الأمة وأعلمَها، واعتبر هذا بمسائل الأيمان، والنذر، والعتق، والطلاق، وغير ذلك، ومسائل تعليق الطلاق بالشروط، ونحو ذلك.

وقد بينتُ أن المنقول فيها عن الصحابة هو أصحُّ الأقوال قضاءً وقياسًا، وعليه يدلُّ الكتاب والسنة، وعليه يدور القياس الجلي، وكل قول سوى ذلك تناقض في القياس مخالف للنصوص، ولم أجد أجود الأقوال فيها إلا الأقوال المنقولة عن الصحابة، وإلى ساعتي هذه ما علمتُ قولًا


(١) إعلام الموقعين، لابن القيم، (١/ ٣٠).
(٢) المرجع السابق، (٤/ ١١٨ - ١١٩) باختصار.
(٣) المرجع السابق، (٤/ ١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>