للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرد عليهم أن تلك الشرائع السابقة قد اعتراها تحريف أو تبديل.

وبالجملة فما من حكم من أحكام الشرائع السابقة قصَّهُ الله تعالى علينا، أو بينه الرسول - صلى الله عليه وسلم - لنا إلا وفي شريعتنا ما يدلُّ على نسخه أو بقائه في حقنا (١).

ومما يرجح القول الأول أن في الأخذ به إثراءً للفقه الإسلامي وتأهيلًا لاستيعاب الوقائع والنوازل، وتنوعًا لمدارك الأحكام في الفقه، ولقد وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - خير الصيام وأفضله لبعض أصحابه، وبيَّن أنه صيام داود -عليه السلام- (٢)، كما قصَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قصة سليمان مع المرأتين اللتين اختصمتا إلى سليمان بعد أبيه -عليهما السلام- (٣)، والقصة من جملة شريعة مَنْ سبقنا، ومع هذا فإن شراح الحديث استنبطوا من تلك القصة فوائدَ، حتى إن ابن القيم ذكر خمسًا من السنن في ذلك الحديث (٤).

ومما يجدر التنبيه إليه: أن بعض المقيمين بديار الأقليات بالغرب دعا إلى مراجعة نقدية للفقه الموروث، مطالبًا بتنقية الفقه مما علق به وأُدخل فيه مما ليس منه عند التحقيق.

ويضرب لما أراد مثلًا فيقول معلقًا على قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}


(١) الوجيز في أصول الفقه، لعبد الكريم زيدان، (ص ٢٦٥).
(٢) أخرجه: البخاري، كتاب التهجد، باب: مَن نام عند السحر، (١١٣١)، ومسلم، كتاب الصيام، باب: النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوَّت به حقَّا أو. . .، (١١٥٩)، من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص -رضي الله عنهما- أخبر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: "أحب الصلاة إلى الله صلاة داود -عليه السلام-، وأحب الصيام إلى الله صيام داود: وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، ويصوم يومًا ويفطر يومًا".
(٣) أخرجه: البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: ٣٠]. . .، (٣٤٢٧)، ومسلم، كتاب الأقضية، باب: بيان اختلاف المجتهدين، (١٧٢٠)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما؛ فقالت هذه لصاحبتها: إنما ذهب بابنك أنت، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك! فتحاكمتا إلى داود؛ فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود -عليهما السلام- فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينكما! فقالت الصغرى: لا، يرحمك الله! هو ابنها! فقضى به للصغرى". وهذا لفظ مسلم.
(٤) الطرق الحكمية، لابن القيم، (ص ٨ - ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>