للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المائدة: ٤٥]: "إذا ببعض الفقهاء يذهبون إلى الأخذ بمنطوق الآية بناءً على قاعدة: شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يَرِدْ ناسخ، أو على عموم النص لنا ولهم، أو على غيرها من أصول، مع نسيان مفهوم الهيمنة القرآنية، والتصديق، ونسخ شرعة الآصار والأغلال؛ فقرروا القصاص في الجروح، فوقعوا وأوقعوا الأمة معهم في حرج كبير" (١).

ولا شك في أن هذا الكلام ينطوي على مفاسدَ ظاهرةٍ؛ فإن فقهاءَنا حين قرروا ذلك الحكمَ قرروه استنادًا إلى آيات وأحاديث عدَّة، فبخلاف الآية المذكورة: قول الله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤]، وقد حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقصاص في كسر ثنية جارية كسرت ثنيتها الرُّبَيِّعُ -رضي الله عنها-، وقال: "كتاب الله القصاص" (٢).

أي: حكم كتاب الله وجوب القصاص في السن (٣).

وقد نقل الإجماعَ غيرُ واحد من الأئمة على إعمال الآية المذكورة في شريعتنا؛ كابن تيمية (٤) وابن كثير (٥) وابن عبد البر (٦).

على أن الفقهاء حين قالوا بوجوب القصاص في الجروح قالوا بذلك بشروط ثلاثة:


(١) مقاصد الشريعة، لطه جابر العلواني، دار الهادي، بيروت، ط ١، ١٤٢١ هـ - ٢٠٠١ م، (ص ٤٦).
(٢) أخرجه: البخاري، كتاب الصلح، باب: الصلح في الدية، (٢٧٠٣)، من حديث أنس -رضي الله عنه- أنَّ الربيع -وهي ابنة النضر- كسرت ثنية جارية، فطلبوا الأرش وطلبوا العفو؛ فأبوا! فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرهم بالقصاص؛ فقال أنس ابن النضر: أتكسر ثنية الربيع يا رسول الله؟! لا -والذي بعثك بالحق- لا تكسر ثنيتها! فقال: "يا أنس كتابَ الله القصاص"؛ فرضي القوم. . . الحديث. وهو في مسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب: إثبات القصاص في الأسنان وما في معناها، (١٦٧٥)، من حديث أنس -رضي الله عنه- أيضًا، بنحو هذه القصة، إلا أنَّ بينهما اختلافًا، راجعه في "جامع الأصول"، (١٠/ ٢٧٠) -مع تعليق الإمام ابن الأثير -رحمه الله- عليه-.
(٣) شرح صحيح مسلم، للنووي، (١١/ ١٦٣).
(٤) مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (١٤/ ٧٦).
(٥) تفسير ابن كثير، (٣/ ١٢١).
(٦) الاستذكار، لابن عبد البر، (٨/ ١٦٧، ١٨٣، ١٨٧)، المغني، لابن قدامة، (١١/ ٥٣٠ - ٥٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>