للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كان العلم القطعي حاصلًا بأن الشريعة جاءت لتحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها؛ كان لزامًا على المجتهد والمفتي في النوازل مراعاة هذا الأصل العظيم والمقصد الرئيس من مقاصد الشريعة، فيستحيل أن تأمر الشريعة بما فيه مفسدة، أو تنهى عما تحققت مصلحته، قال البيضاوي -رحمه الله-: "إن الاستقراء دلَّ على أن الله سبحانه شرع أحكامه لمصالح العباد" (١).

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "القرآن وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مملوءان من تعليل الأحكام والمصالح وتعليل الخلق بها، والتنبيه على وجوه الحِكم التي لأجلها شرع الأحكام، ولأجلها خلق تلك الأعيان، ولو كان هذا في القرآن والسنة في نحو مائة موضع أو مائتين لسقناها، ولكنه يزيد على ألف موضع بطرق متنوعة" (٢).

ولا ريب أن مراعاة المصالح سمة ملازمة لكل أحكام الشرع، فما من حُكم إلا وقد قرر لرعاية مصلحة، أو درء مفسدة، وإخلاء العالم من الشرور والآثام، مما يدلُّ على أن الشريعة الغراء تستهدف تحقيق مقصد عام، هو إسعاد الفرد والجماعة، وحفظ نظام المجتمع، وتعمير الدنيا وإصلاحها بما يوصل البشرية إلى أرقى درجات الكمال البشري.

وإذا كانت مقاصد الشريعة بهذا الشمول والهيمنة على أحكام الشريعة والملازمة لها- كانت معرفتها أمرًا ضروريًّا لمن يتصدر للفُتيا والاجتهاد.

وقد اعتنى غير واحد من المحققين بمقاصد الشريعة، وأكثرَ من الحديث حولها وتقريرها، إما في تصنيف مستقلٍّ، أو ضمن كتب وأبحاث وفتاوي، وممن أكثر من الكلام عليه والإشارة إليه إمام الحرمين أبو المعالي الجويني -رحمه الله- (٣) والإمام الغزالي -رحمه الله- (٤)


(١) نهاية السول شرح منهاج الأصول، للإسنوي، (٤/ ٩١).
(٢) مفتاح دار السعادة، لابن القيم، (٢/ ٣٦٣).
(٣) البرهان، للجويني، (٢/ ٨١٠ - ٨١١، ٩١١، ٩٢٣).
(٤) المستصفى، للغزالي، (ص ١٧٣ - ١٨٠)، شفاء الغليل، للغزالي، (ص ١٦١) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>