يقرب منها أن يصلي في يومه -وهو سَنَةٌ أو عِدَّةُ أشهرٍ- خمسَ صلواتٍ فقط.
كلَّا إن الآيات الكبرى على كون هذا القرآن من عند الله المحيط علمه بكل شيء، ما نراه فيه من الاكتفاء بالخطاب العام الذي لا يتقيد بزمانِ مَنْ جاء به ولا مكانه.
فأطلقَ الأمرَ بالصلاة، والرسولُ بَيَّنَ أوقاتها بما يناسب حال البلاد المعتدلة، التي هي القسم الأعظم في الأرض، حتى إذا وصل الإسلام إلى أهل تلك البلاد التي أشرنا إليها يمكنهم أن يقدروا للصلوات باجتهادهم، والقياس على ما بَيَّنَهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَمْرِ اللهِ المطلقِ، فَيُقَدِّرُوا لها قَدْرَهَا (١).
على أنه إذا وقع اختيار تقدير المواقيت بأقرب البلاد، فينبغي أن يُتَّفَقَ على البلد التي سيُعْتَبَر بها التقدير، وألَّا يُخْتَلَفَ عليها ضبطًا للمواقيت، ومنعًا للشقاق والفتنة.
ولا شك أن هذا الاختيار أولى مِنْ اختيارٍ يمثل رأيًا اجتهاديًّا محضًا لا يقوم على نصٍّ، أو يرتبط بدليل نقليٍّ، كما وُجِدَ هذا في عدد من الأقوال التي تتضمن رأيًا محضًا، أو تتضمن إبطالًا للعلامة الشرعية حالَ وجودِهَا.
وأمَّا مَا يتعلَّقُ بوقت العشاء عند فَقْدِ العلامة الشرعية الدَّالَّةِ عليه فإن كلا الرأيين الرابع والسابع سائغٌ مقبولٌ فيما يظهر، بحيث يُخَيَّرُ المسلم المقيم في تلك الديار بين أن يَعْتَبِرَ دخولَ وقت العشاء بآخر فترة يمكن فيها التمييزُ بين الشفقين؛ شفقِ العشاء، وشفقِ الفجر.
وعند الحاجة أو المشقة له أن يجمعَ بين الصلاتين.
ولا يسوغُ بحال أن يسقط عنه فَرْضُهَا، كما قال بعض الحنفية؛ فإنه مخالف لما انعقد عليه الإجماع من وجوبِ خمسِ صلواتٍ في اليوم والليلة!
وصلاتها بعدَ تيقنِ دخولِ الصبحِ إخراجٌ لها عن وقتها مع إمكان أن تُصَلَّى باعتبارِ آخرِ وقتِ التمييزِ بينها وبين وقتِ الفجر، أو جمعها مع المغرب.