للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك، فإن تعذَّرَ ذلك عليهم وهم جَمٌّ غفيرٌ وعددٌ كبيرٌ، ولو اقتصروا على سدِّ الرمق وانتظروا انقضاء أوقات الضرورات لانقطعوا عن مطالبهم، فالقول فيهم كالقول في الناس كافَّةً فليأخذوا أقدارَ حاجاتِهِمْ كما فصلناها. . . (١).

وقال: "ثم المحجور عليه المفلس يترك عليه دست ثوب يليق بمنصبه، ويكتفي بأقل المنازل مع رعاية منصبه؛ فالوجه أن نقول: إذا عمَّ التحريم اكتفى كلٌّ بما يترك عليه من الثياب لو حجر عليه".

وقَدَّرَ -رحمه الله- سؤالًا، وهو:

"لم لا يترك على المفلس مسكنه، ويتعين عليه أن يكتفي بأقل المنازل مع رعاية منصبه؟

ثم قال: قلنا: سبب ذلك أنَّه في الغالب يجد كنًّا بأجرة نزرة فليكتفِ بذلك" (٢).

فأين هذا من الترفُّهِ لتحصيل ميزات المسكن المملوك عن المستأجر، كما هو واقع الأمر في هذه النازلة؟!

ثم إنه لا بد من التمييز بين مرتبة الحاجيات، والتحسينات في تحقيق المصالح؛ فإن

الحاجة هي ما يؤدي فواتُهَا إلى العنت والمشقة، وهي كما يقول العلامة الشاطبي:

"ما يُفْتَقَرُ إليه من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوات المطلوب، فإذا لم تُرَاعَ دخل على المكلفين على الجملة الحرجُ والمشقةُ؛ ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة" (٣).

وأما مرتبة التحسينات فهي -كما يقول الشاطبي-:

"الأخذ بما يليق من محاسن العادات، وتجنُّبِ الأحوال المدنسات التي تأنفها


(١) المرجع السابق، (ص ٣٥١).
(٢) المرجع السابق، (ص ٣٤٩ - ٣٥٠).
(٣) الموافقات، للشاطبي، (٢/ ١٠ - ١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>