للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى؛ فإنه لم ينصَّ على الضمان بقوله: فأنا ضامن. وفي جامع الفصولين: الأصل أن المغرور إنما يرجع على الغارِّ لو حصل الغرور في ضمن المعاوضة، أو ضَمِنَ الغارُّ صفةَ السلامة للمغرور، فصار كقول الطحَّان لرب البُرِّ: اجعله في الدلو، فجعله فيه، فذهب من النقب إلى الماء، وكان الطحَّان عالمًا به يضمن؛ إذ غرَّه في ضمن العقد وهو يقتضي السلامة.

قلتُ: لا بد في مسألة التغرير من أن يكون الغارُّ عالمًا بالخطر، كما يدلُّ عليه مسألة الطحان المذكورة، وأن يكون المغرور غيرَ عالمٍ؛ إذ لا شك أن رب البُرِّ لو كان عالمًا بنقب الدلو يكون هو المضيع لماله باختياره، ولفظ المغرور ينبئ عن ذلك لغةً؛ لما في القاموس: غرَّه غرًّا وغرورًا فهو مغرور وغرير، خدعه وأطمعه بالباطل فاغتَرَّ هو. ولا يخفى أن صاحب السوكرة لا يقصد تغرير التجار، ولا يعلم حصول الغرق هل يكون أم لا. وأما الخطر من اللصوص والقطاع فهو معلوم له وللتجار؛ لأنهم لا يعطون مال السوكرة إلا عند شدة الخوف طمعًا في أخذ بدل الهالك، فلم تكن مسألتنا من هذا القبيل أيضًا.

نعم قد يكون للتاجر شريك حربي في بلاد الحرب، فيعقد شريكه هذا العقد مع صاحب السوكرة في بلادهم، ويأخذ منه بدل الهالك، ويرسله إلى التاجر. فالظاهر أن هذا يحلُّ للتاجر أخذه؛ لأن العقد الفاسد جرى بين حربيين في بلاد الحرب، وقد وصل إليه مالهم برضاهم، فلا مانع من أخذه.

وقد يكون التاجر في بلادهم فيعقد معهم هناك، ويقبض البدل في بلادنا، أو بالعكس.

ولا شك أنه في الأولى إن حصل بينهما خصام في بلادنا لا يُقْضَى للتاجر بالبدل، وإن لم يحصل خصام ودفع له البدل وكيله المستأمن هنا يحلُّ له أخذه؛ لأن العقد الذي صدر في بلادهم لا حكم له، فيكون قد أخذ مال حربي برضاه.

وأما في صورة العكس -بأن كان العقد في بلادنا والقبض في بلادهم- فالظاهر أنه لا يحل أخذه ولو برضى الحربي؛ لابتنائه على العقد الفاسد الصادر في بلاد الإسلام،

<<  <  ج: ص:  >  >>