وأخيرًا: فإن قيل: لماذا أباح الله سبحانه لنا الكتابيات دون المشركات؟
فالجواب: لقد أباح الله سبحانه لنا الكتابيات دون المشركات؛ لأن الكتابية تؤمن بالألوهية، وتقر بمبدأ الرسالات السماوية، وتؤمن بالبعث والنشور، فهي تلتقي مع المسلم في ذلك وفي لب الفضائل الاجتماعية، فدوام العشرة متوقَّع فكان هذا الجواز بغرض تألُّفِهم ليعرفوا حقيقة الدين الذي هو أصل دينهم، وإزالة الجفوة والبدع التي دخلت عليهم من باب الدين، والتي تحجبهم عن محاسن الإسلام، فكان في نكاح المسلم إياها رجاء إسلامها؛ لأنها متى تنبهت إلى حقيقة الأمر رُجي إسلامها، وإن لم تسلم فإنها تعيش ضمن الإسلام من حيث آدابه الاجتماعية وتقاليده العريقة.
فينبغي لكل مسلم يريد الزواج منهن أن يكون مظهرًا لهذه الحكمة وسالكًا سبيلها وبذلك يكون قدوة صالحة لامرأته وأهلها في الصلاح والتقوى ومكارم الأخلاق، فإن لم يَرَ نفسه أهلًا لذلك فلا يقدم عليه.
والمشركة بخلاف الكتابية فهي لا تلتقي مع المسلم في عقائده، ولُبِّ فضائله الاجتماعية فتبقى العداوة والمنافرة التي تخالف مقاصد النكاح، والكاساني يوضح الفرق إذ يقول:
"إن الأصل أنه لا يجوز للمسلم أن ينكح الكافرة؛ لأن ازدواج الكافرة والمخالطة معها مع قيام العداوة الدينية لا يحصِّلُ السكن والمودة الذي هو قوام مقاصد النكاح.
إلا أنه جُوِّزَ نكاحُ الكتابية لرجاء إسلامها؛ لأنها آمنت بكتب الأنبياء والرسل في الجملة، وإنما نقضت الجملة بالتفصيل بناءً على أنها أُخبِرت عن الأمر على خلاف حقيقته، فالظاهر أنها متى نُبِّهت على حقيقة الأمر تنبهت، وتأتي بالإيمان على التفصيل، والزوج يدعوها إلى الإسلام وينبهها على حقيقة الأمر، فكان في نكاح المسلم إياها