للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قربٌ خاصٌّ غير قرب الإحاطة وقرب البطون.

وفي الصحيح من حديث أبي موسى أنَّهم كانوا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفر، فارتفعت أصواتهم بالتكبير فقال: "أيها النَّاس اربعوا على أنفسكم، فإنَّكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إنَّ الذي تدعونه سميعٌ قريبٌ، أقرب إلى أحدكم من عُنُق راحلته" (١)، فهذا قربه من داعيه وذاكره، يعني: فأيُّ حاجة بكم إلى رفع الأصوات، وهو لقربه يسمعها، وإن خفضت، كما يسمعها إذا رفعت، فإنَّه سميع قريب؟

وهذا القرب هو من لوازم المحبة، فكلَّما كان الحب أعظم كان القرب أكثر (٢). وقد يستولي (٣) محبة المحبوب على قلب محبه بحيث يفنى بها عن غيره، ويغلب محبوبه على قلبه حتَّى كأنَّهُ يراه ويشاهده، فإنْ (٤) لم يكن عنده معرفة صحيحة باللَّه وما يجب له ويستحيل (٥) عليه، وإلا (٦) طرق بابَ الحلول إن لم يلِجْه. وسببه ضعف تمييزه، وقوة


= "حسن صحيح غريب من هذا الوجه". والحديث صححه ابن خزيمة والحاكم، ولم يتعقبه الذهبي (ز).
(١) من حديث أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه، أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (٢٩٩٢) وغيره.
(٢) وانظر: المدارج (٢/ ٣٠٥)، والبدائع (٣/ ٨٤٥)، ومجموع الفتاوى (١٥/ ١٧).
(٣) كذا في الأصل بالياء. وفي "ك، ط": "وقد استولت".
(٤) "ك": "فإذا".
(٥) "ط": "وما يستحيل".
(٦) وقعت "إلا" هنا في غير موقعها، ولا يستقيم المعنى إلا بحذفها، ولعلَّه من الأخطاء الشائعة في زمن المصنف، فقد تكرَّر في كتبه وكتب شيخه. انظر مثلًا =