للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طاحونٍ شديدِ الدوران، أيّ شيء خطَفه ألقاه تحتَه وأفسده، وعنده قيِّمُه الَّذي يديره (١)، وقد أحكمَ أمرَه لينتفع به ولا يضرَّ أحدًا. فربّما جاءَ الغِرّ الَّذي لا يعرف فيتقرّب منه (٢)، فيخرق ثوبه أو بدنه، أو يؤذيه. فإذا قيل لصاحبه: لِمَ لَمْ تجعله ساكنًا لا يؤذي من اقترب منه؟ قال: هذه صفته اللازمة التي كان بها دولابًا وطاحونًا، ولو جُعِلَ (٣) على غير هذه الصفة لم تحصل به الحكمة المطلوبة منه.

وكذلك إذا قدَّرنا (٤) نار الأتُّون التي تُحرق ما وقع فيها، وعندها وقَّاد حاذق يحُشها (٥)، فإذا غفل عنها أفسدت. وإذا أرادَ أحد أن يقرب منها نهاه وحذَّره، فإذا استغفله مَن قرب منها حتَّى أحرقته لم يقل لصاحب النَّار: هلَّا قلَّلتَ حرَّها لئلا تفسد من يقرب (٦) منها وتُحرقه؟ فإنَّه يقول: هذه صفتها التي لا يحصل المقصود منها إلا بها، ولو جعلتها دون ذلك لم تُحرق أحجارَ الكِلْس (٧)، ولم تطبخ الآجُرّ، ولم تُنضِج الأطعمة الغليظة ونحو ذلك.

فما يحصل من الدولاب والطاحون ومن النَّارِ من نفعها هو من فضل اللَّه ورحمته، وما يحصل بها من شر هو من طبيعتها التي خُلِقَت عليها، التي (٨) لا تكون نارًا إلا بها، فلو خرجت عن تلك الطبيعة لم تكن نارًا،


(١) "ك": " يدبره".
(٢) "ك، ط": "فيقترب"، وأصلح في القطرية.
(٣) "جعل" سقط من القطرية.
(٤) كذا في الأصل و"ف". وفي "ك": "أوقد". وفي "ط": "أوقدنا".
(٥) أي يوقدها. وفي "ك": "يحشيها"، تحريف، وفي "ط": "يحشوها".
(٦) قراءة: "ف": "تقرب"، وهي غير منقوطة في الأصل.
(٧) الكِلس: الجير.
(٨) "ط": "والتي".