للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا رآك المسلمون تيقَّنوا ... حُورَ الجِنانِ لدى النعيم الخالدِ (١)

فشمَّروا إليه وقالوا: "اللهم لا عيش إلا عيشُ الآخرة" (٢). وأحدثت لهم رؤيته عَزمات وهممًا وجدًّا وتشميرًا، لأنَّ النعيم يذكِّر بالنعيم، والشيء يذكِّر بجنسه؛ فإذا رأى أحدُهم ما يُعجبه ويروقه ولا سبيل له إليه قال: "موعدك الجنَّة، وإنَّما هي عشية أوضحاها". فوجودُ تلك المشتهيات والملذوذات في هذه الدار رحمةٌ من اللَّه، يشوّق (٣) بها عباده المؤمنين إلى تلك (٤) التي هي أكملُ منها، وزاد (٥) لهم من هذه الدار إليها. فهي زاد، وعبرة، ودليل، وأثرٌ من آثار (٦) رحمته التي أودعها تلك الدار. فالمؤمن يهتزُّ برؤيتها إلى ما أمامه، ويثير ساكنَ عزماته إلى تلك، فنفسه ذوَّاقة توَّاقة، إذا ذاقت شيئًا منها تاقت إلى ما هو أكملُ منه حتَّى تتوقَ إلى النعيم المقيم في جوار الرب الكريم.

وأخرجَ سبحانه إلى هذه الدار أيضًا من آثار غضبه ونقمته من العقوبات والآلام والمحن والمكروهات من الأعيان والصفات ما يُستدَلُّ بجنسه على ما في دار الشقاء من ذلك، مع أنَّ ذلك من آثار النفَسين الشتائي والصيفي (٧) اللذين أذِنَ اللَّه سبحانه بحكمته لجهنَّم أن تتنفَّسَ


(١) لأبي إسحاق الصابئ في يتيمة الدهر (٢/ ٢٥٩).
(٢) من قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة الخندق. أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (٢٩٦١).
(٣) "ب، ك، ط": "يسوق".
(٤) "ب، ك، ط": "تلك الدار".
(٥) في الأصل: "زادًا"، ولعله سهو، وكذا في "ف، ن". والمثبت من "ب، ك، ط".
(٦) "من آثار" ساقط من القطرية.
(٧) "ك، ط": "الشتاء والصيف". "ب": "في الشتاء. . . ".