للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهؤلاء قسموا الشرَّ الواقعَ في العالم إلى قسمين:

أحدهما: شرورٌ هي أفعال العباد وما تولّد منها، فهذه لا تدخل عندهم في القضاءِ الإلهي تنزيهًا للرب تعالى عن نسبتها إليه، ولا تدخل عندهم تحت قدرته ولا مشيئته (١) ولا تكوينه.

والثاني: الشرور التي لا تتعلق بأفعال العباد، كالسموم والأمراض وأنواع الآلام، وكإبليس وجنوده، وغير ذلك من شرور المخلوقات، كإيلام الأطفال وذبح الحيوان. فهذا النوع هو الذي كدَّر على القدرية أصولَهم، وشوَّش عليهم قواعدهم، وقالوا: ذلك كلُّه حسنٌ لما فيه من اللطف والمصلحة العاجلة والآجلة.

قالوا: أمَّا الآلام والأمراض فمفعولة لغرض صحيح، وهو ما ضمن الربُّ سبحانه لمن أصابه بها من العوض الوافي. قالوا: وذلك يجري مجرى استئجار أجير في فعل شاقّ، فإنَّه بغرض (٢) الاستئجار أخرَجَ الاستئجار عن كونه عبثًا، وبالأجرة أخرجه (٣) عن كونه ظلمًا، فكان حسنًا.

قالوا: فإن قيل: إذا كان اللَّه قادرًا على التفضل بالعوض وبأضعافه بدون توسط الألم، فأي حاجة إلى توسطه؛ وأيضًا فإذا حسُن الألمُ لأجل العوض، فهل يحسن منَّا أن نؤلم (٤) أحدَنا بغير إذنه لِعوضٍ يصل إليه؟.


(١) "ف": "قدرته ومشيئته"، خلاف الأصل.
(٢) "ط": "بفرض". "ب": "لغرض".
(٣) "أخرجه" ساقط من "ط".
(٤) "ك، ط": "يؤلم"، تصحيف، وزاد في "ط" بعد "أحدنا" بين حاصرتين: "غيره".