للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي لا تقوم به. فلم يقم به عندهم فعلٌ البتة.

كما عطَّل غلاةُ الجهمية صفاتِه فلم يثبتوا له صفةً تقوم به، وإن تناقضوا. وكما عطَّلت "السينائية" أتباعُ ابن سينا ذاتَه فلم يُثبتوا له ذاتًا زائدة على وجودٍ مجرَّدٍ لا يقارِنُ (١) ماهيةً ولا حقيقةً.

وأصَّلت الجبرية أنَّه تعالى لا ينزّه عن فعل مقدور يكون قبيحًا بالنسبة إليه، بل كل مقدور فهو جائزٌ عليه؟ وإن عُلِمَ عدمُ فعله فبالسمع، وإلا فالعقل يقضي بجوازه عليه. فلا ينزه عن ممكن مقدور إلا ما دلَّ عليه السمعُ (٢)، فيكون تنزيهه عنه، لا لقبحه في نفسه، بل لأنَّ وقوعه يتضمن الخلفَ في خبره وخبر رسوله، ووقوع الأمر على خلاف علمه ومشيئته، فهذا (٣) حقيقة التنزيه عند القوم.

وأصّلت القدرية أنَّ ما يحسن من عباده يحسن منه، وما يقبح منهم يقبح منه؛ مع تناقضهم في ذلك غاية التناقض.

فاقتضت هذه (٤) الأصول الفاسدة والقواعد الباطلة فروعًا ولوازمَ كثيرٌ (٥) منها مخالفٌ لصريح العقل ولسليم الفِطَر (٦)، كما هو مخالف لما أخبرت به الرسلُ عن اللَّه؛ فجعل أرباب هذه القواعد والأصول قواعدهم وأصولهم محكمة، وما جاءَ به الرسول متشابهًا!


(١) "ب ": "لا تقارن".
(٢) "ك، ط": "بالسمع".
(٣) "ف": "وهذا"، قراءة مرجوحة.
(٤) "ف": "تلك".
(٥) "ط": "كثيرة"، خطأ.
(٦) "ط": "الفطرة".