للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمَّ أصَّلوا أصلًا في ردِّ هذا المتشابه إلى المحكم، وقالوا: الواجبُ فيما خالف هذه القواطع العقلية -بزعمهم- من الظواهر الشرعية أحدُ أمرين: إمَّا تخريجها (١) على ما يعلم العقلاءُ أنَّ المتكلم لم يُرِدْه بكلامه من المجازات البعيدة، والألغاز المعقَّدة، ووحشي اللغات (٢)، والمعاني المهجورة التي لا يُعرَف أحد من العرب عبَّرَ عنها بهذه العبارة، ولا تحتملها لغة القوم البتة، وإنَّما هي محامل أنشأوها هم، ثمَّ قالوا: نحمل (٣) اللفظ عليها! فأنشأوا مَحاملَ من تلقاءِ أنفسهم وحكموا على اللَّه ورسوله (٤) بإرادتها بكلامه، فأنشأوا منكرًا وقالوا زورًا.

فإذا ضاقَ عليهم المجالُ، وغلبتهم النصوصُ، وبهرتهم شواهدُ الحقيقة من اطِّرادهِا، وعدم فهمِ العقلاءِ سواها، ومجيئها على طريقة واحدة، وتنوع الألفاظ الدالّةَ على الحقيقة، واحتفافِها بقرائن من السياق والتأكيد وغير ذلك، يقطع (٥) كل سامع بأنَّ المراد حقيقتُها وما دلَّتْ عليه = قالوا: الواجب ردُّها، وأن لا يُشتغَل (٦) بها!

وإن أحسنوا العبارةَ والظن قالوا: الواجب تفويضها، وأن نكِلَ علمَها إلى اللَّه من غير أن يحصل لنا بها هدًى أو علم أو معرفة باللَّه وأسمائه


(١) "ك": "نخرجها". "ط": "يخرجها".
(٢) في "ب": "واللغات"، وبعدها بياض بقدر كلمة.
(٣) "ب": "يحمل".
(٤) "ط": "أو رسله"، وفي القطرية: "أو رسوله".
(٥) "ط": "مما يقطع".
(٦) "ب ": "نشتغل".