للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنهم من يكون طريقه قطع العلائق، وتجريد الهمّة، ودوام المراقبة، ومراعاة الخواطر، وحفظ الأوقات أن تذهب ضائعة.

ومنهم الجامع الفَذّ (١)، السالك إلى اللَّه في كلِّ واد، الواصل إليه من كلّ طريق. فهو قد جعل (٢) وظائفَ عبوديته قِبلةَ قلبه ونصبَ عينه، يؤمّها أين كانت، ويسير معها حيث سارت، قد ضرب مع كلّ فريق بسهم. فأين كانت العبوديةُ وجدتَه هناك: إن كان علمٌ وجدتَه مع أهله، أو جهاد وجدتَه في صفّ المجاهدين، أو صلاة وجدتَه في القانتين، أو ذكر وجدتَه في الذاكرين، أو إحسان ونفع وجدتَه في زمرة المحسنين، أو مراقبة ومحبّة (٣) وإنابة إلى اللَّه وجدتَه في زمرة المحبّين المنيبين. يدين بدين العبوديّة أنَّى استقلَّتْ ركائبُها، ويتوجّه إليها حيث استقرّت مضاربُها. لو قيل له: ما تريد من الأعمال؟ لقال: أريد أن أنفّذ أوامرَ ربّي حيث كانت، وأين (٤) كانت، جالبةً ما جلبَتْ، مقتضيةً ما اقتضتْ، جمعتني أو فرّقتني؛ ليس لي مراد إلَّا تنفيذها والقيام بأدائها مراقبًا له فيها، عاكفًا عليه بالروح والقلب والبدن والسرّ. قد سلّمتُ إليه المبيعَ منتظرًا منه تسليمَ الثمن. {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة/ ١١١].

فهذا هو العبد السالك إلى ربّه، النافذ إليه حقيقة. ومعنى النفوذ إليه


(١) "ط": "جامع المنفذ"، تحريف.
(٢) "ك، ط": "فهو جعل".
(٣) "ب، ك، ط": "محبة ومراقبة".
(٤) "ف": "وإن".