للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا في هذه الدار، وأمَّا في البرزخ فأضعاف أضعاف ذلك! قد حيل بينه وبين ما يشتهي، وفاته ما كان يتمنّاه من قُرب ربه وكرامته ونيل ثوابه، وأحضِرَ جميعَ غمومه وأحزانه. وأمَّا في دار الجزاءِ فسجن أمثاله من المبعودين (١) المطرودين. فواغوثاه ثمّ واغوثاه بغياث المستغيثين وأرحم الراحمين!

فمن أعرض عن اللَّه بالكلّية أعرض اللَّهُ عنه بالكلّية. ومن (٢) أعرض اللَّه عنه لزمه الشقاءُ والبؤس والبخس في أحواله وأعماله، وقارنه (٣) سوءُ الحال وفسادُه في دينه ومآله. فإنّ الربّ تعالى إذا أعرض عن جهة دارت بها النحوس، وأظلمت أرجاؤها، وانكسفت أنوارها، وظهر (٤) عليها وحشة الإعراض، وصارت مأوى للشياطين، وهدفًا للشرور، ومصبًّا للبلاءِ.

فالمحروم كلّ المحروم من عرف طريقًا إليه، ثمَّ أعرضَ عنها؛ أو وجد بارقةً من حبه ثمَّ سُلِبَها، لم ينفذ إلى ربِّه منها، خصوصًا إذا مالَ بتلك الإرادة إلى شيءٍ من اللذات، أو انصرفَ (٥) بجملته إلى تحصيل الأعراض (٦) والشهوات، عاكفًا على ذلك ليله ونهاره وغدوه ورواحه، هابطًا من الأوج الأعلى إلى الحضيض الأدنى.


(١) كذا وردت الكلمة في الأصل وغيره، وهي من الألفاظ الدارجة في زمن المصنف وبعده. والفصيح: "المبعدون".
(٢) "ب": "وإذا".
(٣) "ب": "قام به"، تحريف.
(٤) "ط": "ظهرت".
(٥) "ك، ط": "وانصرف".
(٦) "ف، ب، ط": "الأغراض".