للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد مضت عليه برهةٌ من أوقاته، وكان همه اللَّه، وبغيته قربه ورضاه وإيثاره على كلِّ ما سواه، على ذلك يصبح ويمسي، ويظل ويضحي، وكان اللَّه في تلك الحال وليَّه (١)، لأنَّه وليُّ من تولاه، وحبيب من أحبَّه ووالاه. فأصبحَ في سجن الهوى ثاويًا، وفي أسر العدو مقيمًا، وفي بئر المعصية ساقطًا، وفي أودية الحيرة والتفرقة هائمًا، معرضًا عن المطالب العالية إلى الأغراض (٢) الخسيسة الفانية. كان قلبه يجول (٣) حول العرش، فأصبحَ محبوسًا في أسفلِ الحُشِّ.

فأصبحَ كالبازي المنتَّفِ ريشُه ... يرى حسراتٍ كلَّما طارَ طائرُ

وقد كان دهرًا في الرياضِ منعَّمًا ... على كلِّ ما يهوى من الصيدِ قادرُ

إلى أن أصابته من الدهرِ نَكبةٌ ... إذا هو مقصوصُ الجناحين حاسِرُ (٤)

فيا من ذاقَ شيئًا من معرفة ربِّه ومحبته، ثُمَّ أعرضَ عنها، واستبدل بغيرها منها، يا عجبًا له بأي شيءٍ (٥) تعوَّضَ! وكيف قرَّ قرارُه، فما طلبَ الرجوعَ إلى أحبّته (٦) وما تعرَّض! وكيف اتخذَ سوى أحبّته (٧) سكنًا،


(١) "وكان اللَّه. . ." إلى هنا ساقط من "ب".
(٢) ضبط بالغين المعجمة في الأصل خلافًا لما سبق قبل أسطر. وفي "ك": "الأعراض".
(٣) "ط": "يحوم".
(٤) من أربعة أبيات وردت دون عزو في المدهش (٤٥٨) مفتوحة القافية، والبيت الأوَّل مع آخر أوردهما الثعالبي في ثمار القلوب (٤٥٥)، والتمثيل والمحاضرة (٣٦٦).
(٥) "ب": "بأي عوض".
(٦) "ط": "أحنيته"، تصحيف، ويشبهه ما في "ك".
(٧) "ط": "أحنيته".