للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجعل قلبه لمن عاداه مولاه من أجله موطنًا! أم كيف طاوعه قلبه على الاصطبار، ووافقه على مساكنة الأغيار!

فيا معرضًا عن حياته الدائمة ونعيمه المقيم، ويا بائعًا سعادته العظمى بالعذاب الأليم. ويا مُسْخِطًا مَن حياتُه وراحتُه وفوزُه في رضاه، وطالبًا رضى مَن سعادتُه في إرضاءِ سواه. إنَّما هي لذَّةٌ فانية، وشهوة منقضية، تذهب لذَّاتها، وتبقى تبعاتها. فرحُ ساعةٍ لا شهر، وغمُّ سنة بل دهر. طعامٌ لذيذ مسموم، أوَّلهُ لذَّة وآخره هلاك. فالعامل عليها والساعي في تحصيلها كدودة القزّ، يسدُّ على نفسه (١) المذاهب، بما نسجَ عليها من المعاطب. فيندم حين لا تنفع الندامة، ويستقيل حين لا تُقبَل الاستقالة.

فطوبى لمن أقبل على اللَّه بكليته، وعكف عليه بإرادته ومحبته، فإنَّ اللَّه يُقبِل عليه بتوليه ومحبته وعطفه ورحمته. وإنَّ اللَّه سبحانه إذا أقبلَ على عبدٍ (٢) استنارت جهاتُه، وأشرقت ساحتُها (٣)، وتنورت ظلماتُها (٤)، وظهرت عليه آثار إقباله من بهجة الجلال وآثار الجمال، وتوجَّه إليه أهلُ الملأ الأعلى بالمحبة والموالاة لأنَّهم تبع لمولاهم. فإذا أحب عبدًا أحبوه، وإذا والى وليًّا والَوه. "إذا أحبَّ اللَّه العبد نادى: يا جبريلُ إنِّي أحبُّ فلانًا فأحِبَّه، فينادي جبريل في السماء: إنَّ اللَّهَ يحب فلانًا فأحِبُّوه. فيحبه أهلُ السَّماءِ ثُمَّ يحبه أهلُ الأرضِ، فيوضع له القبول


(١) "ك": "تسد على نفسها".
(٢) في حاشية "ب": "خ العبد".
(٣) كذا في الأصل و"ب". وفي "ف، ك": "ساحاتها"، وفي "ط": "ساحاته".
(٤) "ط": "ظلماته".