للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الليلِ قبل النَّهارِ (١)، وعملُ النَّهارِ قبلَ الليل (٢). حِجَابُه النُّور، لَوْ كَشَفَه لأحْرَقَتْ سُبُحاتُ وجهِهِ ما أدركه بصرُه من خلقِهِ" (٣).

وبالجملة فيَشهده في كلامه، فقد تجلَّى سبحانه وتعالى لعباده في كلامه، وتراءى لهم فيه، وتعرَّف إليهم فيه. فبعدًا وتبًّا للجاحدين والظالمين {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم/ ١٠] لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.

فإذا صارت صفاتُ ربِّه (٤) وأسماؤه مشهدًا لقلبه أنْسَتْه ذكرَ غيره، وشغلته عن حبِّ سواه (٥)، وجذبت (٦) دواعي قلبه إلى حبِّه تعالى بكلِّ جزءٍ من أجزاءِ قلبه وروحه وجسمه. فحينئذٍ يكون الربُّ تعالى سمعَه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. فبه يسمع. وبه يبصر، وبه يبطش، وبه يمشي. كما أخبر عن نفسه على لسان رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (٧).

ومن غلُظ حجابُه، وكثُف طبعُه، وصلُب عوده؛ فهو عن فهم هذا بمعزل، بل لعلَّه أن يفهمَ منه ما لا يليق به تعالى من حلول أو اتحاد، أو يفهم منه غيرَ المراد منه، فيحرّف معناه ولفظه {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا


(١) "ب، ك، ط": "عمل النهار".
(٢) "ب، ك، ط": "عمل الليل".
(٣) تقدّم تخريجه في ص (١٥٨).
(٤) "ب": "صفاته".
(٥) "ك، ط": "من سواه".
(٦) "ط": "حديث"، تصحيف.
(٧) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق (٦٥٠٢) عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه.