للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شيءٍ خلقه، وأتقن كلَّ شيءٍ، فهو (١) أحكمُ الحاكمين وأحسن الخالقين، له في كلِّ شيءِ حكمةٌ بالغة، وفي كلِّ مصنوعٍ صُنْعٌ متقَن. والرجلُ إذا عابَ صنعة رجل آخر وذمّها سرى ذاك (٢) إلى الصانع، لأنَّه كذلك صنعَها، وعن حكمته أظهرَها، إذ كانت الصنعة مجبولةً (٣) لم تصنع نفسها، ولا صنع لها في خلقها. فالعارفُ لا يعيب إلا ما عابه اللَّه، ولا يذمّ إلا ما ذمَّه.

وإذا سبقَ إلى قلبه ولسانه عيبُ ما لم يعِبْه اللَّه وذمُّ ما لم يذمّه (٤)، تاب إلى اللَّه منه كما يتوب صاحبُ الذنبِ من ذنبه، فإنَّه يستحيي من اللَّه أن يكون في داره وهو يعيب آلات تلك الدار وما فيها. فهو يرى نفسه بمنزلة رجلٍ دخل إلى دار ملِك من الملوك، ورأى ما فيها من الآلات والبناءِ والترتيب، فأقبل يعيب منها بعضها ويذمّه ويقول: لو كان كذا بدل كذا لكان خيرًا، ولو كان هذا في مكان هذا لكان أولى. وشاهدَ الملِك يولِّي ويعزل، ويعطي ويحرِم (٥)، فجعل يقول: لو وُلِّيَ هذا مكان فلان كان خيرًا، ولو عُزِلَ هذا المتولِّي لكان أولى، ولو عوفي (٦) هذا، ولو أُغني هذا! فكيف يكون مقت الملك لهذا المعترض وإخراجه له من قربه؟ وكذلك لو أضافه صاحبٌ له فقدَّم إليه طعامًا فجعل


(١) "ك، ط": "وهو".
(٢) وردت هنا في "ك، ط" زيادة: "إلى صانعها، فمن عاب صنعة الربّ سبحانه بلا إذنه سرى ذلك".
(٣) "ب": "مجبورة".
(٤) "ك، ط": "يذمه اللَّه".
(٥) "ك، ط": "يحرم ويعطي".
(٦) "ب": "عافى".