للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا (١) كانت المرأة شديدة العشق والمحبّة للرجل قد امتلأ قلبها من حبّه = فهذا الابتلاءُ الذي لا يصبر معه إلا مثل (٢) الكريم ابن الكريم ابن الكريم (٣) صلوات اللَّه وسلامه عليهم أجمعين.

ولا ريب أنَّ هذا الابتلاء أعظم من الابتلاء الأوَّل، بل هو من جنس ابتلاءِ الخليل -صلى اللَّه عليه وسلم- بذبح ولده، إذ كلاهما ابتلاءٌ بمخالفة الطبع ودواعي النفس والشهوة، ومفارقة حكم الطبع جملة (٤). وهذا بخلاف البلوى التي أصابت ذا النون صلوات اللَّه وسلامه عليه، والتي أصابت أيوب صلوات اللَّه وسلامه عليهم أجمعين.

قالوا: وأيضًا فإنَّ هذه هي النكتة التي من أجلها كان صالحو البشر أفضلَ من الملائكة؛ لأنَّ الملائكة عبادتهم بريئة عن شوائب دواعي النفس (٥) والشهوات البشرية، فهي صادرةٌ عن غير معارضة ولا مانع ولا عائق، وهي كالنفَس للحيّ. وأمَّا عبادات البشر، فمع منازعات النفوس، وقمع الشهوات، ومخالفة دواعي الطبع؛ فكانت أكمل. ولهذا كان أكثر النَّاس على تفضيلهم على الملائكة لهذا المعنى ولغيره، فمن لم يخلق له تلك الدواعي والشهوات فهو بمنزلة الملائكة، ومن خُلِقَت له وأعانه اللَّه على دفعها وقهرها وعصيانها كان أكمل وأفضل.


(١) "ب": "فإن".
(٢) "ك، ط": "الَّذي صبر معه مثل".
(٣) زاد في "ب، ط": "ابن الكريم".
(٤) "ط": "حكم طبعه".
(٥) "ب": "النفوس".