للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: وأيضًا فإنَّ حقيقة المحبّة إيثار المحبوب ومرضاته على ما سواه. قالوا: وكيف (١) يصحّ الإيثار ممن لا تنازعه نفسه وطبعه إلى غير المحبوب؟

قالوا: وليس العجب من قلب خالٍ عن الشهواتِ والإرادات، قد ماتت دواعي طبعه وشهوته، إذا عكفَ على محبوبه ومعبوده، واطمأنَّ إليه، واجتمعت همّتُه عليه (٢). وإنَّما العجب من قلبٍ قد ابتُليَ بما ابتُليَ (٣) به من الهوى والشهوة ودواعي الطبيعة، مع قوَّة سلطانها وغلبتها، وضعفه، وكثرة الجيوش التي تُغير على قلبه كلَّ وقتٍ، إذا آثر ربَّه ومرضاتَه على هواه وشهوته ودواعي طبعه. فهو هاربٌ إلى ربِّه من بين تلك الجيوش، وعاكفٌ عليه في تلك الزعازع والأهوية التي تغشى على الأسماع والأبصار والأفئدة، يتحمَّل منها لأجل محبوبه ما لا تتحمَّله (٤) الجبال الرَّاسيات!

قالوا: وأيضًا فنهيُ النفس عن الهوى عبوديّة خاصَّة لها تأثير خاصّ، وإنَّما يحصل إذا كان ثَمَّ ما ينهى عنه النفس.

قالوا: وأيضًا فالهوى عدوُّ الإنسان، فإذا قهر عدوَّه وصارت تحت قبضته وسلطانه كان أقوى وأكمل ممَّن لا عدوّ له يقهره.

قالوا: ولهذا كان حالُ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في قهره قرينَه حتَّى انقادَ وأسلم له (٥)


(١) "ب": "فكيف".
(٢) "عليه" ساقط من "ك، ط".
(٣) "ب": "قد امتلأ بما امتلأ"، تحريف.
(٤) "ب": "تحمله".
(٥) "ب": "انقاد له وأسلم". ويشير المؤلف إلى ما أخرجه مسلم (٢٨١٤، ٢٨١٥) =