للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يشاء، ويرفع من يشاء، ويخفض من يشاء؛ فما يؤمنه أن يقلب اللَّه قلبه، ويحول بينه وبينه، ويزيغه بعد إقامته؟ وقد أثنى اللَّه سبحانه على عباده المؤمنين بقولهم: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران/ ٨]، فلولا خوف الإزاغة لما سألوه أن لا يُزيغ قلوبَهم.

وكان من دعاء النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهم مصرّف القلوب، صرّفْ قلوبَنا على طاعتك" (١). و"مثبّتَ القلوب، ثبِّتْ قلوبَنا على دينك" (٢).

وفي الترمذي (٣) عنه مسلم أنَّه كان يدعو: "أعوذ بعزَتك أن تُضِلَّني، أنت الحيّ الذي لا يموت (٤) ".

وكان من دعائه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللّهُمَّ إِنِّي أَعوذُ برضاكَ من سَخطِك، وأعوذُ بمعافاتِكَ من عقوبتك، وأعوذُ بِكَ مِنكَ" (٥).

فاستعاذ -صلى اللَّه عليه وسلم- بصفة الرضا من صفة الغضب، وبفعل العافية من فعل العقوبة، واستعاذ به منه باعتبارين. وكان استعاذته به (٦) منه جمعًا لما فصَّله في الجملتين قبله، فإنَّ الاستعاذة به سبحانه منه ترجع إلى معنى لكلام قبلها، مع تضمّنها فائدةً شريفةً وهي كمال التوحيد وأنَّ الذي يستعيذ به العائذ ويهرب منه إنَّما هو فعل اللَّه ومشيئته وقدره، فهو وحده


(١) سبق تخريجه في ص (٥٧).
(٢) سبق تخريجه في ص (١٧).
(٣) كذا في الأصل وغيره. والحديث في الصحيحين كما في مدارج السالكين (٢/ ١٤٠). أخرجه البخاري في كتاب التوحيد (٧٣٨٣)، ومسلم في الذكر والدعاء (٢٧١٧) عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
(٤) "ك، ط": "لا تموت"، والأصل غير منقوط، وكلاهما ورد في الحديث.
(٥) تقدّم تخريجه في ص (٥٧).
(٦) "به" ساقط من "ط".