للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنفرد بالحكم، فإذا أراد بعبده سوءًا لم يُعِذْه منه إلا هو. فهو الذي يريد به ما يسوؤه، وهو الذي يريد دفعه عنه. فصارَ سبحانه مستعاذًا به منه باعتبار الإرادتين. {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} [الأنعام/ ١٧] فهو الذي يمسن بالضرّ، وهو الذي يكشفه، لا إله إلا هو. فالمهرب منه إليه، والفرار منه إليه، واللجأ منه إليه، كما أنَّ الاستعاذة منه به (١)، فإنَّه لا ربَّ غيره، ولا مدبِّر للعبد سواه، فهو الذي يحرِّكه ويقلْبه ويصرِّفه كيف يشاء.

الجواب الرابع: أنَّ اللَّه سبحانه هو الذي يخلق أفعال العبد الظاهرة والباطنة، فهو الذي يجعل الإيمان والهدى في القلب، ويجعل فيه التوبة والإنابة والإقبال والمحبَّة والتفويض وأضدادها. والعبدُ في كلِّ لحظةٍ مفتقرٌ إلى هداية يجعلها اللَّه في قلبه، وحركاتٍ يحرِّكه بها (٢) في طاعته. وهذا إلى اللَّه سبحانه، فهو خَلَقه (٣) وقدَّره.

وكان من دعاءِ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهمَّ آتِ نفسي تقواها، وزَكِّها أنتَ خيرُ من زكَّاها، أنتَ وليُّها ومولاها" (٤). وعلَّم حصين بن المنذر (٥) أن


(١) "به" ساقط من "ط".
(٢) "ف": "يحرّكها به"، سهو.
(٣) "ب": "في خلقه".
(٤) تقدّم تخريجه في ص (١٧٠).
(٥) كذا قال المصنف هنا، وفي الوابل الصيب (٤١٠)، ومدارج السالكين (١/ ١٠٨، ٢٩٤). وقال في نونيته:
واذكر حديثَ حُصَينٍ بنِ المنذر الثّـ ... ـقةِ الرضا أعني أبا عمران
الكافية الشافية (٤٥٥). والظاهر أنَّه وهم، فإنَّ حصينًا ابن عُبيد بن خلف الغاضري الخزاعي. انظر: الإصابة (٢/ ٨٦) وغيره.