للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والاستثناء أصحّ، فإنَّ "غيرًا" (١) لا تكاد تقع حالًا في كلامهم إلا مضافةً إلى نكرة، كقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ} [البقرة/ ١٧٣]، الأنعام/ ١٤٥، النحل/ ١١٥]، وقوله: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} [المائدة/ ١]، وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مرحبًا بالوفد غيرَ خزايا ولا ندامى" (٢). فإن أضيفت إلى معرفة كانت تابعةً لما قبلها، كقوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة/ ٧]. ولو قلت: "مرحبًا بالوفد غيرِ الخزايا ولا الندامى". لجررتَ "غيرًا" (٣). هذا هو المعروف من كلامهم. والكلام في عدم تعرّف "غير" بالإضافة وحسنِ وقوعها إذ ذاك حالًا، له مقام آخر.

وأمَّا الرفع فعلى النعت للقاعدين، هذا هو الصحيح. وقال أبو إسحاق وغيره: هو خبر مبتدأ محذوف، تقديرُه: الذين هم غير أولي الضرر (٤). والذي حمله على هذا ظنُّه أنَّ غيرًا لا تقبل التعريف بالإضافة، فلا تجري صفةً للمعرفة. وليس مع من ادَّعى ذلك حجَّةٌ يعتمد عليها سوى قولهم (٥): إنَّ غيرًا توغَّلت في الإبهام فلا تتعرَّف بما تضاف إليه. وجواب هذا: أنَّها إذا دخلت بين متقابلين لم يكن فيها إبهام


(١) "ط": "غير".
(٢) من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، أخرجه البخاري في كتاب الايمان (٥٣) وغيره. ومسلم في الايمان (١٧).
(٣) "ط": "غير".
(٤) لا أدري من أين نقل المؤلف قول أبي إسحاق هذا، فإنه لم يذهب إليه في كتابه، بل أعرب على النعت، وفسّر معنى الآية هذا التفسير، وهذا أحد الوجهين عنده في الرفع والوجه الثاني هو الاستثناء. انظر: معاني القرآن له (٢/ ٩٢).
(٥) "قولهم" ساقط من "ط".