للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: وفي هذا دليل على تفضيل الغنيّ المنفِق على الفقير، لأنَّ اللَّه سبحانه أخبر أنَّ المجاهد بماله ونفسه أفضل من القاعد، وقدَّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس. وأمَّا الفقير فنفى عنه الحرَجَ بقوله: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة/ ٩٢] فأين مقام من حَكمَ له بالتفضيل إلى مقام من نفى عنه الحرَج!

قالوا: فهذا حكم القاعد من أولي الضرر والمجاهد. وأمَّا القاعد من غير أولي الضرر فقال تعالى: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (٩٥) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء/ ٩٥ - ٩٦].

وقوله {دَرَجَاتٍ} قيل: هو نصب على البدل من قوله {أَجْرًا عَظِيمًا} (١) وقيل: تأكيد له وإن كان بغير لفظه؛ لأنَّه هو في المعنى (٢). قال قتادة: كان يقال: الإسلام درجة، والهجرة في الإسلام درجة، والجهاد في الهجرة درجة، والقتل في الجهاد درجة (٣).

وقال ابن زيد: الدرجات التي فُضِّل بها المجاهدُ على القاعد سبع، وهي التي ذكرها اللَّه تعالى في براءة إذ يقول سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} فهذه خمس. ثمَّ قال {وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ} [التوبة/ ١٢٠ - ١٢١]،


(١) من قوله تعالى: {وَكاَنَ اللَّهُ غَفُورا رًحِيمًا} إلى هنا سقط من "ف".
(٢) انظر: معاني الزجاج (٢/ ٩٢).
(٣) تفسير الطبري (٩/ ٩٧).