للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معذور من أهل الجهاد غلَبَه عذرُه وأقعده عنه، ونيته جازمةٌ لم يتخلّف عنها مقدورُها، وإنَّما أقعده العجزُ، فهذا الذي تقتضيه أدلَّة الشرع أنَّ له مثل أجر المجاهد. وهذا القسم لا يتناوله الحكم بنفي التسوية، وهذا لأنَّ قاعدة الشريعة: أنَّ العزم التامّ إذا اقترن به ما يمكن من القول (١) أو مقدّمات الفعل نزِّل صاحبُه في الثواب والعقاب منزلةَ الفاعل التامّ، كما دلَّ عليه قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار" قالوا: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: "إنَّه كان حريصًا على قتل صاحبه" (٢).

وفي الترمذي ومسند الإمام أحمد من حديث أبي كبشة الأنماري عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "إنَّما الدنيا لأربعة نفر: عبدٌ رزقه اللَّه مالًا وعلمًا، فهو يتّقي في ماله ربّه، ويصِلُ به رحمه، ويعلم للَّه فيه حقًّا؛ فهذا بأحسن المنازل عند اللَّه (٣). وعبدٌ رزقه اللَّه علمًا ولم يرزقه مالًا، فهو يقول: لو أنَّ لي مالًا لعملتُ فيه بعمل فلان؛ فهو بنيّته، وهما في الأجر سواءٌ، وعبدٌ رزقه اللَّه مالًا ولم يرزقه علمًا، فهو لا يتّقي في ماله ربّه، ولا يصل به رحمه، ولا يعلم للَّه فيه حقًّا؛ فهذا بأسوأ المنازل عند اللَّه. وعبدٌ لم يرزقه اللَّه مالًا ولا علمًا فهو يقول: لو أنَّ لي مالًا لعملتُ بعمل فلان، فهو بنيّته، وهما في الوزر سواء" (٤). فأخبر - صلي اللَّه عليه وسلم - أنَّ وزر الفاعل والناوي


(١) "ط": "الفعل".
(٢) أخرجه البخاري في الإيمان (٣١) وغيره، ومسلم في الفتن (٢٨٨٨) عن أبي بكرة رضي اللَّه عنه.
(٣) "عند اللَّه" ساقط من "ب، ك، ط".
(٤) أخرجه أحمد (١٨٠٣١)، والترمذي (٢٣٢٥) وقال: "هذا حديث حسن صحيح". وانظر: تحقيق المسند (٢٩/ ٥٦٢ - ٥٦٣). (ز).