للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما يكون من الحسرة والبلاءِ أن يُفتَح للعبد طريق (١) النجاة والفلاح، حتَّى إذا ظنَّ أنَّه ناجٍ ورأى منازل السعداء اقتطِع عنهم وضُربت عليه الشقوة. ونعوذ باللَّه من غضبه وعقابه.

وإنَّما كانت هذه الطبقة في الدرك الأسفل لغلظ كفرهم، فإنَّهم خالطوا المسلمين وعاشروهم، وباشروا من أعلام الرسالة وشواهد الإيمان ما لم يباشره البعداءُ، ووصل إليهم من معرفته وصحته ما لم يصل إلى المنابذين بالعداوة؛ فإذا كفروا مع هذه المعرفة والعلم كانوا أغلظ كفرًا، وأخبث قلوبًا، وأشدّ عداوة للَّه ولرسوله وللمؤمنين من البعداء عنهم، وإن كان البعداء متصدّين لحرب المسلمين. ولهذا قال تعالى في المنافقين: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (٣)} [المنافقون/ ٣]، وقال فيهم: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨)} [البقرة/ ١٨]. وقال في الكفار: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة/ ١٧١]. فالكافر لم يعقل، والمنافق أبصر ثمَّ عمي، وعرف ثمَّ تجاهل، وأقرَّ ثمَّ أنكر، وآمن ثمَّ كفر. ومن كان هكذا فهو أشدّ (٢) كفرًا، وأخبث قلبًا، وأعتى على اللَّه ورسله؛ فاستحق الدرك الأسفل.

وفيه معنى آخر أيضًا. وهو أنَّ الحامل لهم على النفاق طلب العزّ والجاه بين الطائفتين. فيُرضون (٣) المؤمنين ليُعِزوهم (٤)، ويُرضون


(١) "ف": "لطريق"، تحريف. وفي "ب": "باب النجاة".
(٢) "ط": "هكذا كان أشد".
(٣) في الأصل وغيره بحذف نون الرفع، في هذه الجملة والجملة التالية، ولعله سهو.
(٤) ك: "ليغرّوهم" من الغرور، تصحيف.