للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّمَالِيِّ، وَالْقَدَرُ يَقُولُ لَهُ: هَذَا آخِرُ الْأَعْيَادِ. وَمَدَّ يَوْمَ الْعِيدِ سِمَاطًا حَافِلًا، وَأَمَرَ بِانْتِهَابِهِ عَلَى الْعَادَةِ، وَطَهَّرَ وَلَدَهُ الْمَلِكَ الصَّالِحَ إِسْمَاعِيلَ فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَزُيِّنَ لَهُ الْبَلَدُ، وَضُرِبَتِ الْبَشَائِرُ لِلْعِيدِ وَلِلْخِتَانِ، وَرَكِبَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي الْمَوْكِبِ عَلَى الْعَادَةِ، ثُمَّ لَعِبَ بِالْكُرَةِ فِي يَوْمِهِ ; فَحَصَلَ لَهُ غَيْظٌ مِنْ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ سَجِيَّتِهِ فَبَادَرَ إِلَى الْقَلْعَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي غَايَةِ الْغَضَبِ وَحَصَلَ لَهُ انْزِعَاجٌ، وَدَخَلَ فِي حَيْرَةِ سُوءِ الْمِزَاجِ وَاشْتَغَلَ بِنَفْسِهِ وَانْزِعَاجِهِ، وَتَنَكَّرَتْ عَلَيْهِ جَمِيعُ حَوَاسِّهِ وَطِبَاعِهِ، وَاحْتَبَسَ أُسْبُوعًا عَنِ النَّاسِ، وَالنَّاسُ فِي شُغْلٍ عَنْهُ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ اللَّعِبِ وَالِانْشِرَاحِ بِالزِّينَةِ الَّتِي قَدْ نَصَبُوهَا، فَهَذَا يَجُودُ بِرُوحِهِ وَهَذَا يَرُوحُ بِجُودِهِ، وَانْعَكَسَتْ تِلْكَ الْأَفْرَاحُ بِالْأَتْرَاحِ، وَنَسَخَ الْجِدُّ ذَلِكَ الْمِزَاحَ، وَحَصَلَتْ لِلْمَلِكِ خَوَانِيقُ فِي حَلْقِهِ مَنَعَتْهُ مِنْ أَدَاءِ النُّطْقِ، وَهَذَا شَأْنُ أَوْجَاعِ الْحَنَقِ، وَكَانَ قَدْ أُشِيرَ عَلَيْهِ بِالْفَصْدِ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا.

فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ الْحَادِي عَشَرَ مِنْ شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ قُبِضَ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَلَهُ فِي الْمُلْكِ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ الْقَلْعَةِ بِدِمَشْقَ، وَدُفِنَ بِهَا حَتَّى حُوِّلَ إِلَى تُرْبَةٍ بُنِيَتْ لَهُ بِبَابِ الْمَدْرَسَةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا لِلْحَنَفِيَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَبَلَّ بِالرَّحْمَةِ ثَرَاهُ، وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَأْوَاهُ.

وَقَدْ رَثَاهُ الشُّعَرَاءُ بِمَرَاثٍ كَثِيرَةٍ قَدْ أَوْرَدَهَا أَبُو شَامَةَ فِي " الرَّوْضَتَيْنِ ". وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ الْعِمَادُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>