للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السُّلْطَانِ مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ، وَذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ اشْتِيَاقِهِ إِلَى أَخِيهِ وَذَوِيِهِ وَإِلَى الشَّامِ وَطِيبِهِ وَظِلَالِهِ ; لِأَنَّهُ ضَجِرَ مِنْ حَرِّ الْيَمَنِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَصَلَ عَلَى أَمْوَالٍ جَزِيلَةٍ مِنْ مَالِهِ، فَفَرِحَ بِهِ أَخُوهُ الْمَلِكُ النَّاصِرُ، وَاشْتَدَّ أَزْرُهُ بِسَبَبِهِ، وَلَمَّا اجْتَمَعَا قَالَ النَّاصِرُ النَّاصِحُ الْبَرُّ الْوَفِيُّ: أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي، وَقَدِ اسْتَنَابَ شَمْسَ الدِّينِ عَلَى بِلَادِ الْيَمَنِ وَإِنَّمَا اسْتَنَابَ عَلَى مُخَالِفِيهَا مَنْ لَا يُخَالِفُهُ مِنْ ذِي قَرَابَاتِهِ وَمَنْ لَهُ سَالِفُ الْمِنَنِ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ عِنْدَ أَخِيهِ اسْتَنَابَهُ عَلَى دِمَشْقَ وَأَعْمَالِهَا، وَقِيلَ: إِنَّ قُدُومَهُ كَانَ قَبْلَ وَقْعَةِ الْمَوَاصِلَةِ وَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ الْفَتْحِ وَالنَّصْرِ ; لِشَهَامَتِهِ وَشَجَاعَتِهِ وَفُرُوسِيَّتِهِ وَبَسَالَتِهِ.

وَفِيهَا أَنْفَذَ تَقِيُّ الدِّينِ عُمَرُ ابْنُ أَخِي السُّلْطَانِ مَمْلُوكَهُ بَهَاءَ الدِّينِ قَرَاقُوشَ فِي جَيْشٍ إِلَى بِلَادِ الْمَغْرِبِ فَفَتَحَ بِلَادًا كَثِيرَةً هُنَالِكَ وَغَنِمَ أَمْوَالًا جَزِيلَةً ثُمَّ عَادَ إِلَى مِصْرَ وَطَابَتْ لَهُ وَتَرَكَ تِلْكَ الْبِلَادِ.

وَفِيهَا قَدِمَ إِلَى دِمَشْقَ الْوَاعِظُ الْكَبِيرُ أَبُو الْفُتُوحِ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَلِّدٍ التَّنُوخِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الْأَصْلُ الْبَغْدَادِيُّ الْمَنْشَأُ ذَكَرَهُ الْعِمَادُ فِي الْخَرِيدَةِ، قَالَ: وَكَانَ صَاحِبِي وَجَلَسَ لِلْوَعْظِ وَحَضَرَ عِنْدَهُ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ. وَأَوْرَدَ لَهُ مُقَطِّعَاتِ أَشْعَارٍ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ يَقُولُ فِي مَجْلِسِهِ:

يَا مَالِكًا مُهْجَتِي يَا مُنْتَهَى أَمَلِي ... يَا حَاضِرًا شَاهِدًا فِي الْقَلْبِ وَالْفِكْرِ

خَلَقْتَنِي مِنْ تُرَابٍ أَنْتَ خَالِقُهُ ... حَتَّى إِذَا صِرْتُ تِمْثَالًا مِنَ الصُّوَرِ

أَجْرَيْتَ فِي قَالِبِي رُوحًا مُنَوَّرَةً ... تَمُرُّ فِيهِ كَجَرْيِ الْمَاءِ فِي الشَّجَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>