عَنْهُمْ عَادَتِ الْهُدْنَةُ كَمَا كَانَتْ ; فَقَصَدَ هَذَا الْمَلِكُ وَجُمْلَةُ الْفِرِنْجِ مَعَهُ مَدِينَةَ حَمَاةَ، وَصَاحِبُهَا شِهَابُ الدِّينِ مَحْمُودٌ خَالُ السُّلْطَانِ مَرِيضٌ، وَنَائِبُ دِمَشْقَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ مَشْغُولُونَ بِلَذَّاتِهِمْ، فَكَادُوا يَأْخُذُونَ الْبَلَدَ، وَلَكِنْ هَزَمَهُمُ اللَّهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، فَانْصَرَفُوا إِلَى حَارِمٍ فَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ أَخْذِهَا، وَكَشْفَهُمْ عَنْهَا الْمَلِكُ الصَّالِحُ صَاحِبُ حَلَبَ وَقَدْ دَفَعَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأُسَارَى مَا طَلَبُوهُ. وَتُوُفِّيَ صَاحِبُ حَمَاةَ الْأَمِيرُ شِهَابُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ تِكِشَ، خَالُ السُّلْطَانِ النَّاصِرِ، وَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ وَلَدُهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ النَّاصِرُ بِنُزُولِ الْفِرِنْجِ عَلَى حَارِمٍ خَرَجَ مِنْ مِصْرَ قَاصِدًا بِلَادَ الشَّامِ ; لِغَزْوِ الْفِرِنْجِ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى - فَكَانَ دُخُولُهُ إِلَى دِمَشْقَ فِي الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ، وَصُحْبَتُهُ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ، وَتَأَخَّرَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ بِمِصْرَ نَاوِيًا أَدَاءَ الْحَجِّ فِي هَذَا الْعَامِ، تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ.
وَفِيهَا جَاءَ كِتَابُ الْقَاضِي الْفَاضِلِ إِلَى النَّاصِرِ يُهَنِّئُهُ بِوُجُودِ مَوْلُودٍ لَهُ، وَهُوَ أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ، وَبِهِ كَمَلَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ ذَكَرًا، وَقَدْ وُلِدَ لَهُ بَعْدَهُ عِدَّةُ أَوْلَادٍ ذُكُورٍ أَيْضًا، فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ عَنْ سَبْعَةَ عَشَرَ ذَكَرًا وَابْنَةٍ صَغِيرَةٍ اسْمُهَا مُؤْنِسَةُ، الَّتِي تَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمِّهَا الْمَلِكُ الْكَامِلُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَادِلِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ جَرَتْ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالْعَامَّةِ بِبَغْدَادَ، وَكَانَتْ بِسَبَبِ أَنَّ مُؤَذِّنًا عِنْدَ كَنِيسَةِ الْيَهُودِ نَالَ مِنْهُ بَعْضُ الْيَهُودِ بِكَلَامٍ، فَشَتَمَهُ الْمُسْلِمُ، فَاقْتَتَلَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute