لَبِسَهَا فِي رِجْلِهِ، وَجَرَتْ أُمُورٌ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا وَلَا وَقَعَتِ الْعُيُونُ عَلَى شَكْلِهَا، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ دَائِمًا حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا.
وَلَمَّا تَمَّتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ الْعَظِيمَةُ وَالنِّعْمَةُ الْعَمِيمَةُ الْجَسِيمَةُ، أَمَرَ السُّلْطَانُ بِضَرْبِ مُخَيَّمٍ عَظِيمٍ، وَجَلَسَ فِيهِ عَلَى سَرِيرِ الْمَمْلَكَةِ وَعَنْ يَمِينِهِ أَسِرَّةٌ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلُهَا، وَجِيءَ بِالْأُسَارَى تَتَهَادَى فِي قُيُودِهَا، فَضُرِبَتْ أَعْنَاقُ جَمَاعَةٍ مِنْ مُقَدِّمِي الدَّاوِيَّةِ وَالْإِسْبِتَارِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْهِ صَبْرًا، وَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَذْكُرُ النَّاسُ عَنْهُ ذِكْرًا، ثُمَّ جِيءَ بِالْمُلُوكِ فَأُجْلِسُوا عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ عَلَى مَرَاتِبِهِمْ، فَأُجْلِسَ مَلِكُهُمُ الْكَبِيرُ عَنْ يَمِينِهِ، وَتَحْتَهُ أَرْنَاطُ إِبْرَنْسُ الْكَرَكِ - قَبَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبَيْنَ يَدَيْهِ بَقِيَّةُ الْمُلُوكِ وَعَنْ يَسَارِهِ، فَجِيءَ السُّلْطَانُ بِشَرَابٍ مَثْلُوجٍ مِنَ الْجُلَّابِ، فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَ الْمَلِكَ فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَ مَلِكُهُمْ أَرْنَاطَ فَشَرِبَ، فَغَضِبَ السُّلْطَانُ، وَقَالَ: إِنَّمَا سَقَيْتُكَ وَلَمْ آمُرْكَ أَنْ تَسْقِيَهُ، هَذَا لَا عَهْدَ لَهُ عِنْدِي. ثُمَّ تَحَوَّلَ السُّلْطَانُ إِلَى خَيْمَةٍ دَاخِلَ الْخَيْمَةِ وَاسْتَدْعَى أَرْنَاطَ، فَلَمَّا أُوقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَامَ إِلَيْهِ بِالسَّيْفِ وَقَالَ: نَعَمْ أَنَا أَنُوبُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِانْتِصَارِ لِأُمَّتِهِ. ثُمَّ دَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَامْتَنَعَ، فَقَتَلَهُ وَأَرْسَلَ بِرَأْسِهِ إِلَى الْمُلُوكِ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا تَعَرَّضَ لِسَبِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ قَتَلَ السُّلْطَانُ جَمِيعَ مَنْ كَانَ مِنَ الْأُسَارَى مِنَ الدَّاوِيَّةِ وَالْإِسْبِتَارِيَّةِ صَبْرًا، وَأَرَاحَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذَيْنَ الْجِنْسَيْنِ الْخَبِيثَيْنِ، وَلَمْ يُسْلِمْ مِمَّنْ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ إِلَّا الْقَلِيلُ، فَيُقَالُ: إِنَّهُ بَلَغَتِ الْقَتْلَى ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَكَذَلِكَ الْأُسَارَى كَانُوا ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَكَانَ جُمْلَةُ جَيْشِ الْفِرِنْجِ ثَلَاثَةً وَسِتِّينَ أَلْفًا، وَمَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ - مَعَ قِلَّتِهِمْ - أَكْثَرُهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute