لَاجِينَ، وَهُوَ الَّذِي افْتَتَحَهَا ; وَكَانَ جُمْلَةُ مَا افْتَتَحَهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الْقَرِيبَةِ قَرِيبًا مِنْ خَمْسِينَ بَلَدًا كُلُّ بَلْدَةٍ لَهَا مُقَاتِلَةٌ وَقَلْعَةٌ وَمَنَعَةٌ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَغَنِمَ الْجَيْشُ وَالْمُسْلِمُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ شَيْئًا كَثِيرًا، وَسَبَوْا شَيْئًا كَثِيرًا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوصَفُ، وَاسْتَبْشَرَ الْإِسْلَامُ وَأَهْلُهُ شَرْقًا وَغَرْبًا بِهَذَا النَّصْرِ الْعَظِيمِ وَالْفُتُوحَاتِ الْهَائِلَةِ. وَتَرَكَ السُّلْطَانُ جُيُوشَهُ تَرْتَعُ فِي هَذِهِ الْفُتُوحَاتِ وَالْغَنَائِمِ الْكَثِيرَةِ مُدَّةَ شُهُورٍ ; لِيَسْتَرِيحُوا وَيُجَمِّعُوا أَنْفُسَهُمْ وَخُيُولَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا لِفَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ الشَّرِيفِ، وَطَارَ فِي النَّاسِ أَنَّ السُّلْطَانَ عَزَمَ عَلَى فَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَصَدَهُ الْعُلَمَاءُ وَالصَّالِحُونَ وَالْمُتَطَوِّعَةُ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، وَجَاءَ أَخُوهُ الْعَادِلُ بَعْدَ وَقْعَةِ حِطِّينَ وَفَتَحَ عَكَّا فَفَتَحَ بِنَفْسِهِ حُصُونًا كَثِيرَةً أَيْضًا، فَاجْتَمَعَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَمِنَ الْجُيُوشِ الْمُتَطَوِّعَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَجَمٌّ غَفِيرٌ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَصَدَ السُّلْطَانُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ بِمَنْ مَعَهُ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
وَقَدِ امْتَدَحَ الشُّعَرَاءُ الْمَلِكَ صَلَاحَ الدِّينِ بِسَبَبِ وَقْعَةِ حِطِّينَ فَقَالُوا وَأَكْثَرُوا، وَأَطَابُوا وَأَطْنَبُوا، وَكَتَبَ إِلَيْهِ الْقَاضِي الْفَاضِلُ مِنْ دِمَشْقَ - وَكَانَ مُقِيمًا بِهَا لِمَرَضٍ نَالَهُ -: لِيَهْنَ الْمَوْلَى أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَقَامَ بِهِ الدِّينَ الْقَيِّمَ، وَأَنَّهُ كَمَا قِيلَ: أَصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَمَوْلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. وَأَنَّهُ قَدْ أَسْبَغَ عَلَيْهِ النِّعْمَتَيْنِ ; الْبَاطِنَةَ وَالظَّاهِرَةَ، وَأَوْرَثَهُ الْمُلْكَيْنِ ; مُلْكَ الدُّنْيَا وَمُلْكَ الْآخِرَةِ، كَتَبَ الْمَمْلُوكُ الْخِدْمَةَ، وَالرُّءُوسُ إِلَى الْآنِ لَمْ تُرْفَعْ مِنْ سُجُودِهَا، وَالدُّمُوعُ لَمْ تُمْسَحْ مِنْ خُدُودِهَا، وَكُلَّمَا فَكَّرَ الْمَمْلُوكُ أَنَّ الْبِيَعَ تَعُودُ وَهِيَ مَسَاجِدُ، وَالْمَكَانُ الَّذِي كَانَ يُقَالُ فِيهِ: إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، يُقَالُ الْيَوْمَ فِيهِ: إِنَّهُ الْوَاحِدُ. جَدَّدَ لِلَّهِ شُكْرًا تَارَةً يَفِيضُ مِنْ لِسَانِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute