للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي هَذَا الْيَوْمِ الَّذِي غَرِقَتْ فِيهِ الْبُطْسَةُ الْمَذْكُورَةُ فَأَرْسَلَ أَهْلُ الْبَلَدِ إِلَى السُّلْطَانِ يَشْكُونَ كَثْرَةَ الْحِصَارِ وَقُوَّتَهُ عَلَيْهِمْ مُنْذُ قَدِمَ مَلِكُ الْإِنْكِلْتِيرِ - لَعَنَهُ اللَّهُ - وَمَعَ هَذَا قَدْ مَرِضَ وَجُرِحَ مَلِكُ الْإِفْرِنْسِيسِ أَيْضًا وَلَا يَزِيدُهُمْ ذَلِكَ إِلَّا شِدَّةً وَغِلْظَةً وَعُتُوًّا وَفَارَقَهُمُ الْمَرْكِيسُ وَسَارَ إِلَى بَلَدِهِ صُورَ خَوْفًا مِنْهُمْ أَنْ يُخْرِجُوا مُلْكَهَا مِنْ يَدِهِ وَبَعَثَ مَلِكُ الْإِنْكِلْتِيرِ إِلَى السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ يَذْكُرُ أَنَّ عِنْدَهُ جَوَارِحَ قَدْ جَاءَ بِهَا مِنَ الْبَحْرِ، وَهُوَ عَلَى نِيَّةِ إِرْسَالِهَا إِلَيْهِ وَلَكِنَّهَا قَدْ ضَعُفَتْ وَهُوَ يَطْلُبُ لَهُ دَجَاجًا وَطَيْرًا لِتَتَقَوَّى بِهِ، فَعَرَفَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَطْلُبُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ بِتَلَطُّفٍ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَرَمًا وَسَجِيَّةً وَحِشْمَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ يَطْلُبُ فَاكِهَةً وَثَلْجًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَيْضًا فَلَمْ يُفِدْ مَعَهُ الْإِحْسَانُ بَلْ لَمَّا عُوفِيَ عَادَ إِلَى شَرٍّ مِمَّا كَانَ، وَاشْتَدَّ الْحِصَارُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَأَرْسَلَ مَنْ بِالْبَلَدِ يَقُولُونَ: إِنْ تَعْمَلُوا مَعَنَا شَيْئًا غَدًا وَإِلَّا طَلَبْنَا مِنَ الْفِرِنْجِ الْأَمَانَ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى السُّلْطَانِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ سَيَّرَ إِلَيْهَا أَسْلِحَةَ الشَّامِ وَالدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ وَسَائِرَ السَّوَاحِلِ وَمَا كَانَ غَنِمَهُ مِنْ وَقْعَةِ حِطِّينَ وَمِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَهِيَ مَشْحُونَةٌ بِذَلِكَ فَعَزَمَ السُّلْطَانُ عَلَى مُهَاجَمَةِ الْعَدُوِّ فَلَمَّا أَصْبَحَ رَكِبَ فِي جَيْشِهِ، فَرَأَى الْفِرِنْجَ قَدْ رَكِبُوا مِنْ وَرَاءِ خَنْدَقِهِمْ وَالرَّجَّالَةُ مِنْهُمْ قَدْ ضَرَبُوا سُورًا حَوْلَ الْفُرْسَانِ، وَهُمْ قِطْعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ صَمَّاءَ لَا يَنْفُذُهَا شَيْءٌ فَأَحْجَمَ عَنْهُمْ، لِمَا يَعْلَمُ مِنْ نُكُولِ جَيْشِهِ عَمَّا يُرِيدُهُ وَتَحْدُوهُ عَلَيْهِ شَجَاعَتُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

هَذَا وَقَدِ اشْتَدَّ الْحِصَارُ بِالْبَلَدِ جِدًّا، وَدَخَلَتِ الرَّجَّالَةُ مِنْهُمْ إِلَى الْخَنْدَقِ وَعَلَّقُوا بَدَنَةً مِنَ السُّورِ وَحَشَوْهَا وَأَحْرَقُوهَا فَسَقَطَتْ وَدَخَلَتِ الْفِرِنْجُ إِلَى الْبَلَدِ فَمَانَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، وَقَاتَلُوهُمْ أَشَدَّ الْقِتَالِ وَقَتَلُوا مِنْ رُءُوسِهِمْ سِتَّةَ أَنْفُسٍ فَاشْتَدَّ حَنَقُ الْفِرِنْجِ عَلَيْهِمْ جِدًّا بِسَبَبِ ذَلِكَ وَجَاءَ اللَّيْلُ فَحَالَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فَلَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>