وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ، مَلَكَ بَعْدَ النَّمْرُودِ وَكَانَ مِنْ قِصَّتِهِ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مُسْلِمًا صَالِحًا أَتَى الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ، مَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْأَجَلِ وَنَصَرَهُ، حَتَّى قَهَرَ الْبِلَادَ وَاحْتَوَى عَلَى الْأَمْوَالِ، وَفَتَحَ الْمَدَائِنَ وَقَتَلَ الرِّجَالَ وَجَالَ فِي الْبِلَادِ وَالْقِلَاعِ، فَسَارَ حَتَّى أَتَى الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف: ٨٣] أَيْ: خَبَرًا {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف: ٨٤] أَيْ: عِلْمًا بِطَلَبِ أَسْبَابِ الْمَنَازِلِ.
قَالَ إِسْحَاقُ: وَزَعَمَ مُقَاتِلٌ أَنَّهُ كَانَ يَفْتَحُ الْمَدَائِنَ وَيَجْمَعُ الْكُنُوزَ، فَمَنِ اتَّبَعَهُ عَلَى دِينِهِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا قَتَلَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَعُبَيْدُ بْنُ يَعْلَى، وَالسُّدِّيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف: ٨٤] يَعْنِي عِلْمًا. وَقَالَ قَتَادَةُ، وَمَطَرٌ الْوَرَّاقُ: مَعَالِمُ الْأَرْضِ وَمَنَازِلُهَا وَأَعْلَامُهَا وَآثَارُهَا. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: يَعْنِي تَعْلِيمَ الْأَلْسِنَةِ، كَانَ لَا يَغْزُو قَوْمًا إِلَّا حَدَّثَهُمْ بِلُغَتِهِمْ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعُمُّ كُلَّ سَبَبٍ يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى نَيْلِ مَقْصُودِهِ فِي الْمَمْلَكَةِ وَغَيْرِهَا; فَإِنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ إِقْلِيمٍ مِنَ الْأَمْتِعَةِ وَالْمَطَاعِمِ وَالزَّادِ مَا يَكْفِيهِ وَيُعِينُهُ عَلَى أَهْلِ الْإِقْلِيمِ الْآخَرِ.
وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ مَكَثَ أَلْفًا وَسِتَّمِائَةِ سَنَةٍ يَجُوبُ الْأَرْضَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute