للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَانْفَصَلَ عَنْهَا رَاجِعًا إِلَى بِلَادِهِ.

وَلَمَّا حَصَلَ لَلْفُنْشِ مَا حَصَلَ حَلَقَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ، وَنَكَّسَ صَلِيبَهُ وَرَكِبَ حِمَارًا، وَحَلَفَ لَا يَرْكَبُ فَرَسًا وَلَا يَتَلَذَّذُ بِطَعَامٍ، وَلَا يَنَامُ مَعَ امْرَأَةٍ حَتَّى تَنْصُرَهُ النَّصْرَانِيَّةُ، فَجَمَعَ مِنَ الْجُنُودِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَاسْتَعَدَّ لَهُ السُّلْطَانُ يَعْقُوبُ، فَالْتَقَيَا فَاقْتَتَلَا قِتَالًا عَظِيمًا، فَانْهَزَمَ الْفِرِنْجُ أَقْبَحَ مِنْ هَزِيمَتِهِمُ الْأُولَى وَغَنِمُوا مِنْهُمْ نَظِيرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَوْ أَكْثَرَ، وَاسْتَحْوَذَ السُّلْطَانُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ مَعَاقِلِهِمْ وَقِلَاعِهِمْ؛ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ بِيعَ الْأَسِيرُ بِدِرْهَمٍ، وَالْحِصَانُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ، وَالْخَيْمَةُ بِدِرْهَمٍ، وَالسَّيْفُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَسَمَ السُّلْطَانُ هَذِهِ الْغَنَائِمَ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ، فَاسْتَغْنَى الْمُجَاهِدُونَ إِلَى الْأَبَدِ، ثُمَّ طَلَبَتِ الْفِرِنْجُ مِنَ السُّلْطَانِ الْأَمَانَ فَهَادَنَهُمْ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ خَمْسَ سِنِينَ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَيُورقِيُّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الْمُلَثَّمُ. ظَهَرَ بِبِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ، فَأَحْدَثَ أُمُورًا فَظِيعَةً فِي غَيْبَةِ السُّلْطَانِ وَاشْتِغَالِهِ بِقِتَالِ الْفِرِنْجِ مُدَّةَ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَظَهَرَ هَذَا الْمَارِقُ الْمَيُورقِيُّ بِالْبَادِيَةِ، وَعَاثَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، وَقَتَلَ خَلْقًا كَثِيرًا، وَتَمَلَّكَ بِلَادًا.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا اسْتَحْوَذَ جَيْشُ الْخَلِيفَةِ عَلَى بِلَادِ الرَّيِّ وَأَصْبَهَانَ وَهَمَذَانَ وَخُوزِسْتَانَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ، وَقَوِيَ جَانِبُ الْخِلَافَةِ عَلَى الْمُلُوكِ وَالْمَمَالِكِ. وَفِيهَا خَرَجَ الْعَزِيزُ مِنْ مِصْرَ قَاصِدًا دِمَشْقَ لِيَأْخُذَهَا مِنْ يَدِ أَخِيهِ الْأَفْضَلِ، وَكَانَ الْأَفْضَلُ قَدْ تَابَ وَأَنَابَ وَأَقْلَعَ عَمَّا كَانَ فِيهِ مِنَ الشَّرَابِ وَاللَّهْوِ

<<  <  ج: ص:  >  >>