مُخْتَلِفَةً عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتِمَّ لَهُ مَا صَارَ إِلَيْهِ، وَخَامَرَ عَلَيْهِ أَكَابِرُ الْأُمَرَاءِ النَّاصِرِيَّةِ، وَخَرَجُوا مِنْ دِيَارِ مِصْرَ فَأَقَامُوا فِي بَيْتِ الْمَقَدْسِ وَأَرْسَلُوا يَسْتَحِثُّونَ الْجُيُوشَ الْعَادِلِيَّةِ، فَأَقَرَّ ابْنُ أَخِيهِ عَلَى السَّلْطَنَةِ، وَنَوَّهَ بِاسْمِهِ عَلَى السِّكَّةِ وَالْخُطْبَةِ فِي سَائِرِ مَا هُنَالِكَ مِنِ الْمَمْلَكَةِ، لَكِنِ اسْتَفَادَ بِهَذِهِ السَّفْرَةِ أَنْ أَخَذَ جَيْشًا كَثِيفًا مِنَ الْمِصْرِيِّينَ، وَأَقْبَلَ بِهِمْ لِيَسْتَرِدَّ دِمَشْقَ فِي غَيْبَةِ عَمِّهِ بِمُحَاصَرَةِ مَارِدِينَ وَذَلِكَ بِإِشَارَةِ أَخِيهِ صَاحِبِ حَلَبَ وَابْنِ عَمِّهِ مَلِكِ حِمْصَ أَسَدِ الدِّينِ. فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهَا وَنَزَلَ حَوَالَيْهَا، قَطَعَ أَنْهَارَهَا وَعَقَرَ أَشْجَارَهَا وَقَلَّلَ ثِمَارَهَا وَنَزَلَ بِمُخَيَّمِهِ عَلَى مَسْجِدِ الْقَدِمِ، وَقَدْ لَحِقَهُ الْأَسَفُ وَالنَّدَمُ، وَجَاءَ إِلَيْهِ أَخُوهُ الظَّاهِرُ وَابْنُ عَمِّهِ الْأَسَدُ الْكَاسِرُ وَاللَّيْثُ الْكَاشِرُ وَجَيْشُ حَمَاةَ، فَكَثُرَ جَيْشُهُ وَقَوِيَ الْأَفْضَلُ بْنُ النَّاصِرِ، وَقَدْ دَخَلَ جَيْشُهُ إِلَى الْبَلَدِ، وَنَادَوْا بِشِعَارِهِ، فَلَمْ يُتَابِعْهُمْ مِنَ الْعَامَّةِ أَحَدٌ وَأَقْبَلَ الْعَادِلُ مِنْ مَارِدِينَ بِعَسَاكِرِهِ، وِقَدِ الْتَفَّ عَلَيْهِ طَائِفَةُ بَنِي أَخِيهِ وَأَمَدَّهُ كُلُّ مِصْرٍ بِأَكَابِرِهِ، وَسَبَقَ الْأَفْضَلُ إِلَى دِمَشْقَ بِيَوْمَيْنِ فَحَصَّنَهَا وَحَفِظَهَا مِنْ كُلِّ حَاسِدٍ وَذِي عَيْنَيْنِ، وِقَدِ اسْتَنَابَ عَلَى مَارِدِينَ وَلَدَهُ مُحَمَّدًا الْكَامِلَ رَئِيسَ السَّلَاطِينِ.
وَلَمَّا دَخَلَ دِمَشْقَ خَامَرَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْأُمَرَاءِ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَضَعُفَ أَمْرُ الْأَفْضَلِ وَيَئِسَ مِنْ بِرِّهِمْ وَخَيْرِهِمْ، فَأَقَامَ مُحَاصِرًا الْبَلَدَ بِمَنْ مَعَهُ حَتَّى انْسَلَخَ الْحَوْلُ وَهُوَ كَذَلِكَ، ثُمَّ انْفَصَلَ الْحَالُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ الْآتِيَةِ، عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِيهَا شَرَعَ فِي بِنَاءِ سُورِ بَغْدَادَ بِالْآجُرِّ وَالْكِلْسِ، وَفَرَّقَ عَلَى الْأُمَرَاءِ، وَكَمَلَتْ عِمَارَتُهُ بَعْدَ هَذِهِ السَّنَةِ، فَأَمِنَتْ بَغْدَادُ مِنَ الْغَرَقِ وَالْحِصَارِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا سُورٌ قَبْلَ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute