وَأَبْطَلَا خُطْبَةَ الْمَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَنَكَثَا الْمَوَاثِيقَ، فَإِذَا اسْتَقَرَّ لَهُمَا مُلْكُ مِصْرَ كَانَتْ لِلْأَفْضَلِ، وَتَصِيرُ دِمَشْقُ مُضَافَةً إِلَى الظَّاهِرِ مَعَ حَلَبَ فَلَمَّا بَلَغَ الْعَادِلَ مَا تَمَالَآ عَلَيْهِ، أَرْسَلَ جَيْشًا مَدَدًا لِابْنِهِ الْمُعَظَّمِ بِدِمَشْقَ، فَوَصَلُوا قَبْلَ وُصُولِ الظَّاهِرِ وَأَخِيهِ الْأَفْضَلِ، وَكَانَ وُصُولُهُمَا إِلَيْهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ نَاحِيَةِ بَعْلَبَكَّ فَنَزَلَا بِجَيْشِهِمَا فِي مَسْجِدِ الْقَدَمِ، وَاشْتَدَّ الْحِصَارُ لِلْبَلَدِ، وَتَسَلَّقَ كَثِيرٌ مِنَ الْجَيْشِ مِنْ نَاحِيَةِ خَانِ ابْنِ الْمُقَدَّمِ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا فَتْحُ الْبَلَدِ، لَوْلَا هُجُومُ اللَّيْلِ. ثُمَّ إِنَّ الظَّاهِرَ بَدَا لَهُ فِيمَا كَانَ عَاهَدَ أَخَاهُ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِ دِمَشْقَ تَكُونُ لِلْأَفْضَلِ، فَرَأَى أَنْ تَكُونَ لَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ إِذَا فُتِحَتْ مِصْرُ يُسَلِّمُهَا لِلْأَفْضَلِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبَلِ الْأَفْضَلُ ذَلِكَ، وَاخْتَلَفَا وَتَفَرَّقَتْ كَلِمَتُهُمَا، وَتَنَازَعَا عَلَى الْمُلْكِ بِدِمَشْقَ، فَتَفَرَّقَتِ الْأُمَرَاءُ عَنْهُمَا، وَكُوتِبَ الْعَادِلُ فِي الصُّلْحِ، فَأَرْسَلَ يُجِيبُ إِلَى مَا سَأَلَا مِنْ إِقْطَاعِهِمَا شَيْئًا مِنْ بِلَادِ الْجَزِيرَةِ وَبَعْضِ مُعَامَلَةِ الْمَعَرَّةِ. وَتَفَرَّقَتِ الْعَسَاكِرُ عَنِ الْبَلَدِ فِي مُحَرَّمٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ، وَسَارَ كُلٌّ مِنَ الْمَلِكَيْنِ إِلَى تَسَلُّمِ الْبِلَادِ الَّتِي أُقْطِعَهَا، وَجَرَتْ خُطُوبٌ يَطُولُ شَرْحُهَا، وَقَدْ كَانَ الظَّاهِرُ وَأَخُوهُ كَتَبَا إِلَى صَاحِبِ الْمَوْصِلِ نُورِ الدِّينِ أَرْسَلَانَ الْأَتَابِكِيِّ أَنْ يُحَاصِرَ مُدُنَ الْجَزِيرَةِ الَّتِي مَعَ عَمِّهِمَا الْعَادِلِ، فَرَكِبَ فِي جَيْشِهِ وَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ عَمِّهِ قُطْبِ الدِّينِ صَاحِبِ سِنْجَارَ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُمَا صَاحِبُ مَارِدِينَ الَّذِي كَانَ الْعَادِلُ قَدْ حَاصَرَهُ وَضَيَّقَ عَلَيْهِ مُدَّةً طَوِيلَةً، فَقَصَدَتِ الْعَسَاكِرُ حَرَّانَ وَبِهَا الْفَائِزُ بْنُ الْعَادِلِ، فَحَاصَرُوهُ مُدَّةً، ثُمَّ لَمَّا بَلَغَهُمْ وُقُوعُ الصُّلْحِ بَيْنَ الْعَادِلِ وَابْنَيْ أَخِيهِ الظَّاهِرِ وَالْأَفْضَلِ عَدَلُوا إِلَى الْمُصَالَحَةِ أَيْضًا، وَذَلِكَ بَعْدَ طَلَبِ الْفَائِزِ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَتَمَهَّدَتِ الْأُمُورُ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ؛ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ مَلَكَ غِيَاثُ الدِّينِ وَأَخُوهُ شِهَابُ الدِّينِ الْغُورِيَّانِ جَمِيعَ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute