وَعْظِهِ خَرَجُوا إِلَى بَسَاتِينِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُمْ كَلَامٌ إِلَّا فِيمَا قَالَ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ.
وَيَحْضُرُ عِنْدَهُ الْأَكَابِرُ، حَتَّى الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ أَبُو الْيُمْنِ الْكِنْدِيُّ كَانَ يَجْلِسُ فِي الْقُبَّةِ الَّتِي عِنْدَ بَابِ الْمَشْهَدِ هُوَ وَوَالِي الْبَلَدِ الْمُعْتَمِدُ وَوَالِي الْبَرِّ ابْنُ ثُمَيْرِكٍ وَغَيْرُهُمْ. فَلَمَّا جَلَسَ يَوْمَ السَّبْتِ خَامِسَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ بِالْجَامِعِ - كَمَا ذَكَرْنَا - حَثَّ النَّاسَ عَلَى الْجِهَادِ، وَأَمَرَ بِإِحْضَارِ مَا كَانَ قَدْ تَحَصَّلَ عِنْدَهُ مِنْ شُعُورِ التَّائِبِينَ، وَقَدْ عَمِلَ مِنْهُ شِكَالَاتٍ يَحْمِلُهَا الرِّجَالُ، فَلَمَّا رَآهَا النَّاسُ ضَجُّوا ضَجَّةً وَاحِدَةً، وَتَبَاكَوْا بُكَاءً كَثِيرًا، وَقَطَّعُوا مِنْ شُعُورِهِمْ نَحْوَهَا، فَلَمَّا انْقَضَى الْمَجْلِسُ، وَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ، فَتَلَقَّاهُ الْوَالِي مُبَارِزُ الدِّينِ الْمُعْتَمِدُ إِبْرَاهِيمُ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، فَمَشَى بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَى بَابِ النَّاطِفَانِيِّينَ يُعَضِّدُهُ حَتَّى رَكِبَ فَرَسَهُ، وَالنَّاسُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، فَخَرَجَ مِنْ بَابِ الْفَرَجِ وَبَابِ الْمُصَلَّى، ثُمَّ رَكِبَ مِنَ الْغَدِ فِي النَّاسِ إِلَى الْكُسْوَةِ، وَمَعَهُ خَلَائِقُ كَثِيرُونَ بِنِيَّةِ الْجِهَادِ إِلَى بِلَادِ الْقُدْسِ وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ مَعَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ مِنْ أَهْلِ زَمَلُكَا بِالْعُدَدِ التَّامَّةِ. قَالَ: فَجِئْنَا عَقَبَةَ أَفِيقَ، وَالطَّيْرُ لَا يَتَجَاسَرُ أَنْ يَطِيرَ مِنْ خَوْفِ الْفِرِنْجِ، فَلَمَّا وَصَلْنَا نَابُلُسَ تَلَقَّانَا الْمُعَظَّمُ. قَالَ: وَلَمْ أَكُنِ اجْتَمَعْتُ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَأَى الشِّكَالَاتِ مِنْ شُعُورِ التَّائِبِينَ جَعَلَ يُقَبِّلُهَا، وَيُمَرِّغُهَا عَلَى وَجْهِهِ وَيَبْكِي. وَعَمِلَ أَبُو الْمُظَفَّرِ مِيعَادًا بِنَابُلُسَ، وَحَثَّ عَلَى الْجِهَادِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، ثُمَّ سَارُوا صُحْبَةَ الْمُعَظَّمِ إِلَى نَاحِيَةِ بِلَادِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute