للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَيَّارًا [نُوحٍ: ٢٦]. وَقَالَ تَعَالَى: فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ [الْعَنْكَبُوتِ: ١٥]. وَقَالَ: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ [الصَّافَّاتِ: ٧٧]. وَتَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِي «الْمُسْنَدِ» و «السُّنَنِ»: أَنَّ نُوحًا وُلِدَ لَهُ ثَلَاثَةٌ; وَهُمْ سَامٌ، وَحَامٌ، وَيَافِثُ، فَسَامٌ أَبُو الْعَرَبِ، وَحَامٌ أَبُو السُّودَانِ وَيَافِثُ أَبُو التُّرْكِ، فَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ طَائِفَةٌ مِنَ التُّرْكِ، وَهُمْ مَغْلُ الْمَغُولِ، وَهُمْ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَكْثَرُ فَسَادًا مِنْ هَؤُلَاءِ، وَنِسْبَتُهُمْ إِلَيْهِمْ كَنِسْبَةِ هَؤُلَاءِ إِلَى غَيْرِهِمْ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ التُّرْكَ إِنَّمَا سُمُّوا بِذَلِكَ حِينَ بَنَى ذُو الْقَرْنَيْنِ السَّدَّ وَأَلْجَأَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ إِلَى مَا وَرَاءَهُ، فَبَقِيَتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ كَفَسَادِهِمْ فَتُرِكُوا مِنْ وَرَائِهِ. فَلِهَذَا قِيلَ لَهُمُ: التُّرْكُ.

وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ خُلِقُوا مِنْ نُطْفَةِ آدَمَ حِينَ احْتَلَمَ، فَاخْتَلَطَتْ بِتُرَابٍ فَخُلِقُوا مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ حَوَّاءَ، فَهُوَ قَوْلٌ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَاوِيُّ، فِي «شَرْحِ مُسْلِمٍ» وَغَيْرِهِ، وَضَعَّفُوهُ، وَهُوَ جَدِيرٌ بِذَلِكَ; إِذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ الْيَوْمَ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ، بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَهَكَذَا مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ عَلَى أَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَطْوَالٍ مُتَبَايِنَةٍ جِدًّا; فَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ كَالنَّخْلَةِ السَّحُوقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ غَايَةٌ فِي الْقِصَرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْتَرِشُ أُذُنًا مِنْ أُذُنَيْهِ وَيَتَغَطَّى بِالْأُخْرَى، فَكُلُّ هَذِهِ أَقْوَالٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَرَجْمٌ بِالْغَيْبِ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>