كَثِيرَ الصَّلَاةِ، كَثِيرَ الصِّيَامِ ; يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَكَانَ فَقِيهًا مُفْتِيًا، لَهُ كِتَابُ الْفُرُوقِ، وَصَنَّفَ أَحْكَامًا وَلَمْ يُتِمَّهُ، وَكَانَ يَؤُمُّ بِمِحْرَابِ الْحَنَابِلَةِ مَعَ الشَّيْخِ الْمُوَفَّقِ، وَإِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ بِغَيْرِ مِحْرَابٍ، ثُمَّ وُضِعَ الْمِحْرَابُ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَكَانَ يَؤُمُّ بِالنَّاسِ لِقَضَاءِ الْفَوَائِتِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. صَلَّى الْمَغْرِبَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَكَانَ صَائِمًا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ بِدِمَشْقَ، فَأَفْطَرَ ثُمَّ مَاتَ فَجْأَةً، فَصَلَّى عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ عِنْدَ مُصَلَّاهُمْ، ثُمَّ صَعِدُوا بِهِ إِلَى السَّفْحِ، وَكَانَ يَوْمُ مَوْتِهِ يَوْمًا مَشْهُودًا مِنْ كَثْرَةِ الْخَلْقِ. قَالَ سِبْطُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ: كَانَ الْخَلْقُ مِنَ الْكَهْفِ إِلَى مَغَارَةِ الدَّمِ إِلَى الْمَيْطُورِ، لَوْ بُدِرَ السِّمْسِمُ مَا وَقَعَ إِلَّا عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، فَلَمَّا رَجَعْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَكَّرْتُ فِيهِ، وَقُلْتُ: كَانَ هَذَا رَجُلًا صَالِحًا، رُبَّمَا أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى رَبِّهِ حِينَ وُضِعَ فِي لَحْدِهِ. وَمَرَّ بِذِهْنِي أَبْيَاتُ الثَّوْرِيِّ الَّتِي أَنْشَدَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الْمَنَامِ، فَقَالَ:
نَظَرْتُ إِلَى رَبِّي كِفَاحًا فَقَالَ لِي ... هَنِيئًا رِضَائِي عَنْكَ يَا
ابْنَ سَعِيدِ
فَقَدْ كُنْتَ قَوَّامًا إِذَا أَقْبَلَ الدُّجَى
بِعَبْرَةِ مُشْتِاقٍ وَقَلْبِ عَمِيدِ ... فَدُونَكَ فَاخْتَرْ أَيَّ قَصْرٍ أَرَدْتَهُ
وَزُرْنِي فَإِنِّي مِنْكَ غَيْرُ بَعِيدِ
ثُمَّ قُلْتُ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ الْعِمَادُ رَأَى رَبَّهُ كَمَا رَآهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. فَنِمْتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute