مِحَفَّةٍ، وَمَعَهُ خَادِمٌ بِصِفَةِ أَنَّ السُّلْطَانَ مَرِيضٌ، وَكُلَّمَا جَاءَ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ لِيُسَلِّمَ عَلَيْهِ بَلَّغَهُمْ عَنْهُ الطَّوَاشِيُّ ; يَعْنِي لِضَعْفِ السُّلْطَانِ عَنِ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا انْتُهِيَ بِهِ إِلَى الْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ دُفِنَ بِهَا مُدَّةً، ثُمَّ حُوِّلَ إِلَى تُرْبَتِهِ بِمَدْرَسَةِ الْعَادِلِيَّةِ الْكَبِيرَةِ. وَقَدْ كَانَ الْمَلِكُ سَيْفُ الدِّينِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ شَاذِي مِنْ خِيَارِ الْمُلُوكِ وَأَجْوَدِهِمْ سِيرَةً، وَأَحْسَنِهِمْ سَرِيرَةً، دَيِّنًا عَاقِلًا صَبُورًا وَقُورًا، أَبْطَلَ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْخُمُورَ وَالْمَعَازِفَ مِنْ مَمَالِكِهِ كُلِّهَا، وَقَدْ كَانَتْ مُمْتَدَّةً مِنْ أَقْصَى بِلَادِ مِصْرَ وَالْيَمَنِ وَالشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ إِلَى هَمَذَانَ كُلِّهَا، أَخَذَهَا بَعْدَ أَخِيهِ صَلَاحِ الدِّينِ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَسِوَى حَلَبَ، فَإِنَّهُ أَقَرَّهَا بِيَدِ ابْنِ أَخِيهِ الظَّاهِرِ غَازِيٍّ ; لِأَنَّهُ زَوْجُ ابْنَتِهِ صَفِيَّةَ السِّتِّ خَاتُونَ. وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَلِيمًا صَفُوحًا، صَبُورًا عَلَى الْأَذَى، كَثِيرَ الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ، وَحَضَرَ مَعَ أَخِيهِ مَوَاقِفَهُ كُلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا، وَلَهُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ الْيَدُ الْبَيْضَاءُ. وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَاسِكَ الْيَدِ، وَقَدْ أَنْفَقَ فِي عَامِ الْغَلَاءِ بِمِصْرَ أَمْوَالًا عَظِيمَةً جِدًّا، وَتَصَدَّقَ عَلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْ أَبْنَاءِ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ شَيْئًا كَثِيرًا، ثُمَّ فِي الْعَامِ بَعْدَهُ فِي الْفَنَاءِ كَفَّنَ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ إِنْسَانٍ مِنَ الْغُرَبَاءِ، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّدَقَةِ فِي أَيَّامِ مَرَضِهِ، حَتَّى كَانَ يَخْلَعُ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَبِمَرْكُوبِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْأَكْلِ، مُمَتَّعًا بِصِحَّتِهِ وَعَافِيَتِهِ مَعَ كَثْرَةِ صِيَامِهِ، يَأْكُلُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ أَكَلَاتٍ جَيِّدَةً، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا يَأْكُلُ وَقْتَ النَّوْمِ رَطْلًا بِالدِمَشْقِيِّ مِنَ الْحَلْوَى السُّكَّرِيَّةِ الْيَابِسَةِ، وَكَانَ يَعْتَرِيهِ مَرَضٌ فِي أَنْفِهِ فِي زَمَنِ الْوَرْدِ، وَكَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِقَامَةِ بِدِمَشْقَ حَتَّى يَفْرُغَ زَمَنُ الْوَرْدِ، فَكَانَ يُضْرَبُ لَهُ الْوِطَاقُ بِمَرْجِ الصُّفَّرِ، ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute