يَفْتَتِحُوهَا إِلَّا فِي سَنَةِ تِسْعِينَ فِي أَيَّامِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَفَتَحَهَا هَؤُلَاءِ فِي أَيْسَرِ مُدَّةٍ، وَنَهَبُوا مَا فِيهَا، وَقَتَلُوا أَهَالِيَهَا، وَسَبَوْا وَأَحْرَقُوا، ثُمَّ تَرَحَّلُوا عَنْهَا نَحْوَ الرَّيِّ، فَوَجَدُوا فِي الطَّرِيقِ أُمَّ خُوَارَزْمَ شَاهْ، وَمَعَهَا أَمْوَالٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا، فَأَخَذُوهَا وَفِيهَا كُلُّ غَرِيبٍ وَنَفِيسٍ مِمَّا لَمْ يُشَاهَدْ مِثْلُهُ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ قَصَدُوا الرَّيَّ فَدَخَلُوهَا عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَتَلُوهُمْ وَنَهَبُوهُمْ وَسَبَوْهُمْ وَأَسَرُوهُمْ.
ثُمَّ سَارُوا إِلَى هَمَذَانَ فَمَلَكُوهَا، ثُمَّ إِلَى زَنْجَانَ، فَقَتَلُوا وَسَبَوْا، ثُمَّ قَصَدُوا قَزْوِينَ فَنَهَبُوهَا، وَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِهَا نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ تَيَمَّمُوا بِلَادَ أَذْرَبِيجَانَ، فَصَالَحَهُمْ مَلِكُهَا أُوزْبَكُ بْنُ الْبَهْلَوَانِ عَلَى مَالٍ حَمَلَهُ إِلَيْهِمْ; لِشُغْلِهِ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ السُّكْرِ وَارْتِكَابِ السَّيِّئَاتِ وَالِانْهِمَاكِ عَلَى الشَّهَوَاتِ، فَتَرَكُوهُ وَسَارُوا إِلَى مُوقَانَ، فَقَاتَلَهُمُ الْكُرْجُ فِي عَشَرَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ، فَلَمْ يَقِفُوا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى انْهَزَمَتِ الْكُرْجُ، وَقَتَلَتِ التَّتَارُ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ قَصَدُوا تَفْلِيسَ، وَهِيَ أَكْبَرُ مُدُنِ الْكُرْجِ، وَاجْتَمَعَتْ عِنْدَ ذَلِكَ الْكُرْجُ، فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِمْ بِحَدِّهِمْ وَحَدِيدِهِمْ، فَكَسَرَتْهُمُ التَّتَارُ مَرَّةً ثَانِيَةً أَقْبَحَ كَسْرَةٍ وَأَشْنَعَهَا.
وَهَاهُنَا قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَلَقَدْ جَرَى لِهَؤُلَاءِ التَّتَرِ مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ وَحَدِيثِهِ; طَائِفَةٌ تَخْرُجُ مِنْ حُدُودِ الصِّينِ لَا تَنْقَضِي عَلَيْهِمْ سَنَةٌ حَتَّى يَصِلَ بَعْضُهُمْ إِلَى حُدُودِ بِلَادِ أَرْمِينِيَّةَ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ، وَيُجَاوِزُونَ الْعِرَاقَ مِنْ نَاحِيَةِ هَمَذَانَ، وَتَاللَّهِ لَا أَشُكُّ أَنَّ مَنْ يَجِيءُ بَعْدَنَا إِذَا بَعُدَ الْعَهْدُ، وَيَرَى هَذِهِ الْحَادِثَةَ مَسْطُورَةً يُنْكِرُهَا وَيَسْتَبْعِدُهَا، وَالْحَقُّ بِيَدِهِ، فَمَتَى اسْتَبْعَدَ ذَلِكَ فَلْيَنْظُرْ أَنَّنَا سَطَرْنَا نَحْنُ وَكُلُّ مَنْ جَمَعَ التَّارِيخَ فِي أَزَمَانِنَا هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute